هذا هو المقتضى الثاني: تحقيق التوحيد.
ويجب عليك أن تحقق التوحيد بأقسامه لله جل وعلا: فيجب أن تقر بتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية بإيجاز معناه: أن تعتقد وأن تقر لله بالخلق والرزق والأمر والتصريف والتدبير والإحياء والإماتة، كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154]، فهل حققت توحيد الربوبية لله؟ وستعجب إذا قلت لك: إن توحيد الربوبية قد أقر به المشرك الأول في أرض الجزيرة العربية.
فلو سألت أبا جهل من خالقك؟ لقال: الله.
لو سألت المشرك من رازقك؟ لقال: الله.
كما قال جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [الزخرف:87].
وقال جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9].
بل لقد انفرد الأخنس بن شريق بـ أبي جهل، فقال الأخنس بن شريق: يا أبا الحكم! أستحلفك بالله إذ لا يوجد معنا أحد الآن يسمعنا، فأسألك بالله أمحمدٌ صادق أم كاذب؟! فقال أبو جهل: ويحك يا أخنس! والله إن محمداً لصادق! فنزل قول الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33].
فهم كانوا يعلمون صدق النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال قائلهم: والله! إني لأقر لمحمد بالنبوة أكثر مما أقر لابني بالبنوة؛ لأن الذي شهد بصدق محمد هو الله.
وأقول: إن من بين من ينتسبون الآن إلى الإسلام من لم يحقق توحيد الربوبية لله الرحيم الرحمن! فهذا زعيم دولة خرجت من برك الدماء والأشلاء يقول: بأنه ممن يعتقد أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبدالاً تدبر نظام الكون وتسير شئونه!! والله جل وعلا يقول: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154].
قال الشاعر: يا صاحب الهمَ إن الهم منفرج أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله إذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله الله يحدث بعد العسر ميسرةً لا تجزعن فإن الخالق الله والله مالك غير الله من أحد فحسبك الله في كلٍ لك الله (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)، فعليك أن تقر بتوحيد الإلوهية -توحيد العبادة- يعني: أن تصرف العبادة بركنيها: كمال الحب، وكمال الذل، وبشرطيها: الإخلاص والاتباع، إلى من يستحق العبادة وهو الله وحده لا شريك له.
فسل نفسك أيها الحبيب! هل استغثت بالله وحده؟ وهل استعنت بالله وحده؟ وهل سألت الله وحده؟ وهل ذبحت لله وحده؟ وهل نذرت لله وحده؟ وهل حلفت بالله وحده؟ وهل طفت ببيت الله في مكة فقط؟! وهل قال لسانك وصدق قلبك وترجم عملك هذه الأقوال وهذه الكلمات؟ اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، وأبرأ من الأمل إلا فيك، وأبرأ من التسليم إلا لك، وأبرأ من التفويض إلا إليك، وأبرأ من التوكل إلا عليك، وأبرأ من الصبر إلا على بابك، وأبرأ من الذل إلا في طاعتك، وأبرأ من الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، وأبرأ من الرهبة إلا لجلالك العظيم.
فهل امتثلت قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} أي: وذبحي، {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]؟! وهل آمنت بأسماء الجلال وصفات الكمال من غير تحريف لألفاظها أو لمعانيها؟ وهل أثبت ما أثبته الله لذاته وما أثبته له أعرف الناس به عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ فلا يمكن على الإطلاق أن تدعي الحب للحبيب المصطفى إلا إذا حققت هذا التوحيد لله جل وعلا؛ فنسبت ما لله لله، وما لرسول الله لرسول الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.