الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! ويبقى الحديث عن القسم الثاني من أقسام الشرك، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا القسم في حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عمران بن حصين وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جازى خلقه أو عباده: اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم جزاءً).
فيا من لا تؤدي العبادة لله جل وعلا وإنما لابتغاء المحمدة والثناء عند الخلق، عند المهازيل من البشر؛ اتق الله! واعلم بأنه لا يوجد مخلوق على ظهر هذه الأرض يستطيع أن ينفعك أو يضرك إلا بأمر الله جل وعلا، فوجه عبادتك وتوحيدك لله عز وجل؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، والخالص هو ما ابتغي به وجه الله، والصواب هو ما كان موافقاً لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].
والرياء لغة: مشتق من الرؤية، وشرعاً: هو إرادة العباد بطاعة رب العباد، بأن تبتغي بعملك الثناء عند الناس والمحمدة والشكر ولا تبتغي بعملك وجه الله جل وعلا، اعلم حينئذٍ بأن عملك حابط ومردود على رأسك؛ لأن الله أغنى الأغنياء عن الشرك، لا يقبل ذرة شرك في عمل من الأعمال، بل يترك عملك وشركك إلى من وجهت العمل إليه عياذاً بالله.
فيا أيها الحبيب الكريم! أخلص العمل لله وأخلص العبادة لله، أذكر نفسي وإياك، وأسأل الله أن يجعلني وإياك من المخلصين الصادقين إنه ولي ذلك ومولاه، ووالله لو لم نسمع في خطورة الرياء إلا حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال شهيد وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فيؤتى به فيعرفه الله نعمه فيعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمت، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل آتاه الله من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت سبيلاً من سبل الخير تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها، قال: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال جواد وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه في النار) هذه هي خطورة الرياء أيها الأحبة!