الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! (الحرب على الثوابت) سلسلة منهجية أفند فيها شبهات خطيرة تثار الآن ضد الإسلام، لا على الفرعيات والجزئيات بل على الثوابت والأصول والكليات، ولا يتولى كبرها الملحدون والمستشرقون كما كان الحال قديماً، بل يتولى كبرها ويشعل نيرانها رجال من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا! وصدق ربي جل وعلا إذ يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206].
وقد وصف النبي هذا الصنف وصفاً دقيقاً في حديثه الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه يا رسول الله؟! قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير -أي الذي شابه الدخن- من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا يا رسول الله! قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، وفي لفظ مسلم قال: (هم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس).
أيها الأحبة! لقد ابتلينا في هذه السنوات الماضية بمجموعة من أصحاب الشذوذ الفكري، ممن يسمون -وبكل أسف- بالنخبة من رجال الفكر والفن والأدب، ممن ملئوا أقلامهم بمداد عفن قذر، ووجدوا في الطعن في ثوابت الإسلام أقصر الطرق للوصول إلى الشهرة المزيفة الحقيرة، فما نال سلمان رشدي جائزة الدولة النمساوية إلا إيماناً بآياته الشيطانية، وما نال الطاهر بن جولون جائزة جنكور الفرنسية إلا بروايته الخبيثة التي أسماها: بليلة القدر، وما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل إلا بروايته الخبيثة التي أسماها: بأولاد حارتنا، وما نال نصر أبو زيد هذه الشهرة العالمية، وبكى عليه الحاقدون على الإسلام من أمثاله بكاءً مريراً إلا لأنه طعن في ثوابت الإسلام كله من أوله إلى آخره.
كل ذلك تحت شعارات رنانة كحرية الفكر والرأي، والخروج من الظلامية والرجعية، وفتح آفاق المعرفة، إلى آخر هذه الشعارات، وأنا قررت من اللقاء الماضي أننا جميعاً مع حرية الفكر والرأي، ونبغض من كل قلوبنا العصبية والرجعية والتزمت، ونرفض أن نعيش في الظلامية والانغلاقية والانهزامية والرجعية.
لكن هل التطاول على ذات الله جل وعلا من حرية الفكر والرأي؟! هل الطعن في ثوابت الإسلام وأصوله وكلياته من حرية الفكر والرأي؟! هل السخرية بالملائكة الكرام البررة من حرية الفكر والرأي؟! هل التشكيك في القرآن الكريم من حرية الفكر والرأي؟! هل التطاول على مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم من حرية الفكر والرأي؟! هل الغمز واللمز للسنة والتشكيك فيها من حرية الفكر والرأي؟! هل الطعن في أصحاب النبي الأطهار من حرية الفكر والرأي؟! هل الدعوة إلى الدعارة العلنية والشذوذ الجنسي -حين يسمونه بالأدب المكشوف- من حرية الفكر والرأي؟! نحتاج قليلاً من الإنصاف والعدل -يا سادة- لنصل إلى الحقيقة، هذا إن كنا نريد بصدق أن نصل إلى الحقيقة، فإن الله جل وعلا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب:57]، وقال الله جل وعلا: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:13]، وقال الله جل وعلا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66].
وكان لقاؤنا الماضي من لقاءات هذه السلسلة التي سأقدم لها بهذه المقدمة الثابتة في كل لقاء بإذن الله تعالى، كان لقاؤنا الماضي عن الحرب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن اليوم على موعد مع اللقاء الثاني من لقاءات هذه السلسلة ألا وهو: (الحرب على السنة) وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في هذه العناصر المحددة السريعة: أولاً: السنة والحرية.
ثانياً: السنة والعقل والعلم الحديث.
ثالثاً: السنة والحضارة.
فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، فإن الموضوع اليوم من الأهمية والخطورة بمكان، لاسيما ونحن نشهد الآن حرباً سافرة فاجرة على الأصل الثاني من أصول الإسلام، ألا وهو: سنة النبي عليه الصلاة والسلام.