الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ند له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض، فلا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه وأمره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من سار على دربه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله! لاشك أننا في أمس الحاجة إلى أن نتذكر الآخرة في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، ولاشك أننا في أمس الحاجة إلى أن نتذكر هذه الحقيقة الكبرى، إنها الحقيقة التي تسربل بها طوعاً أو كرها العصاة والطائعون، بل والأنبياء والمرسلون.
إنها الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين، وعناد الملحدين، وطغيان البغاة المتألهين إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر، أنه لا ألوهية إلا لله وحده، ولا بقاء إلا للذي تفرد بالعظمة والبقاء والجلال.
إنها الحقيقة التي تصبغ الحقيقة البشرية بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض.
إنها الحقيقة التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكرها، فقال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات، قيل: وما هادم اللذات يا رسول الله؟ قال: الموت) رواه ابن ماجة والترمذي والنسائي من حديث عمر رضي الله عنه.
من أجل ذلك -أحبتي في الله- سوف أبدأ معكم من اليوم سلسلة أحاديث بعنوان: رحلة إلى الآخرة، ولاشك أن هذه الرحلة تبدأ بالموت، وتنتهي إما بالجنة أو النار، جعلنا الله جل وعلا وإياكم من أهل الجنة، وحرم أجسادنا ووجوهنا وإياكم على النار.