بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فما زال حديثنا عن القلوب، وأقسامها، وعللها، وأدويتها، وقلنا: بأن القلب إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله؛ لأن حركات الجوارح.
وأعمال الجوارح تابعة لحركة القلب، وعمل القلب، وإرادة القلب، فإن كانت حركة القلب وإرادته لله جل وعلا وحده، كانت حركة الجوارح وأعمال الجوارح لله جل وعلا وحده، وإن كانت حركة القلب وإرادته وعمله -من عبودية ومحبة ورجاء وتوكل وخشية وإنابة وتفويض- لغير الله جل وعلا كانت أعمال الجوارح وحركات الجوارح أيضاً لغير الله جل وعلا، فانبعثت الجوارح بمعصية الله؛ لأن القلب هو الملك والجوارح هي جنوده ورعاياه، وإن صح وصلح المَلِكُ صح وصلح الجنود والرعايا، وإن فسد الملك فسد الجنود والرعايا، فهم يأتمرون بأمره ويعملون بتوجيهه.
ونحن اليوم على موعد مع عمل سيء تنبعث به الجوارح إذا خبث وفسد القلب ومرض عمل يحبط الأعمال عمل يسبب المقت والغضب من الكبير المتعال إنه داء عضال، ومزلة أقدام العباد والعلماء، إلا ما رحم رب الأرض والسماء، إنه مرض خاف النبي صلى الله عليه وسلم منه على أمته أكثر من خوفه عليهم من فتنة المسيح الدجال، فقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام ابن ماجة في سننه، وحسن الحديث شيخنا الألباني في صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك الخفي.
قالوا: وما الشرك الخفي يا رسول الله؟! قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته؛ لما يرى من نظر الرجل إليه).
وتأتي للصلاة على فتورٍ كأنك قد دعيت إلى البلاء وإن أديتها جاءت بنقص لما قد كان منك من شرك الرياء وإن تخلو عن الإشراك فيها تدبر للأمور بالارتقاء ويا ليت التدبر في مباح ولكن في المشقة والشقاء وإن كنت المصلي بين خلق أطلت ركوعها بالانحناء وتعجل خوف تأخير لشغل كأن الشغل أولى من لقاء أيا عبد! وإن كنت المجالس يوماً قطعت الوقت من غير اكتفاء أيا عبد! لا يساوي الله معك أنساً تناجيه بحب أو صفاء يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه، هذا هو الشرك الخفي، ويوضح ذلك -أيضاً- حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه الذي رواه أحمد في مسنده، والإمام ابن حبان في صحيحه، والإمام البغوي في شرح السنة، وهو حديث صحيح الإسناد على شرط الإمام مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟! قال: الرياء).
إننا اليوم على موعد مع هذا المرض العضال، مع مزلة أقدام العباد والعلماء إلا من رحم الكبير المُتَعَال، إننا اليوم على موعد مع هذا المرض الذي يحبط العمل، وهو سبب من أسباب المقت والغضب من الله جل وعلا، وكم من إنسان قد زل في هذا الباب وهو لا يدري؟! وكم زلت في هذا الباب أقدام؟! وكم ضلت في هذا الباب أفهام؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ونظراً لطول الموضوع وخطورته -أيها الأحبة- فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في هذا الموضوع في أربعة عناصر: أولاً: الرياء لغة وشرعاً.
ثانياً: الرياء محبط للأعمال والأدلة على ذلك.
ثالثاً: أقسام العمل مع الرياء.
رابعاً: ما هو السبيل إلى العلاج؟ فأعيروني القلوب والأسماع -أيها الأحبة- وأسأل الله جل وعلا بداية أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن، وأن يطهر قلوبنا وجوارحنا وأعمالنا من الرياء صغيره وكبيره غليظه ودقيقه، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.