أيها الأحبة! أخيراً أقول: اذكر الموت فإنك إذا علمت أن أقرب غائب تنتظره هو الموت حرصت على أن تستغل كل ساعة من عمرك في طاعة الملك جل وعلا، فذكر نفسك أيها الحبيب بهذا الغائب القريب، وقل لنفسك: يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل وليركبن عليك فيه من الثرى حمل ثقيل قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ذلك ما كنت منه تهرب.
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) والحق أنك تموت والله حي لا يموت.
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران.
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ذلك ما كنت منه تهرب، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض خوفاً من الموت، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع خوفاً من الموت، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ خوفاً من الموت، ولكن ثم ماذا؟! أيها القوي الفتي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الأديب! يا أيها المفكر! يا أيها الوزير! يا أيها الرئيس! يا أيها الملك! يا أيها الحبيب! ويا أيها الحقير! كل باك فسيُبكى كل ناع فسينعى كل مدحور سيفنى وكل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى أخي الحبيب! بادر بالتوبة فإن الموت أقرب غائب ينتظر: أيا عبد كم يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا نسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسياً ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً وباقيا ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هيا أيها الحبيب! اغتنم ما بقي من العمر! لقي الفضيل بن عياض رجلاً فسأله الفضيل عن عمره: كم عمرك؟ قال: ستون سنة، قال الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل، فقال له الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل يا أخي! هل عرفت معناها؟ قال: نعم.
عرفت أني لله عبد وأني إلى الله راجع.
فقال الفضيل: يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل! وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقى يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
فعد إلى الله أيها الحبيب! وداوم على العمل الصالح.
يا من فرطت في الأسبوع أو في الأيام القليلة هذه بعد رمضان عد إلى الطريق عد إلى الطريق عرفت فالزم، ذقت الحلاوة فالزم، من ذاق عرف، ومن عرف اغترف، فاقترب من الخير واقترب من الفضل، ووالله الذي لا إله غيره إن الدنيا دار ممر وإن الآخرة هي دار المقر.
أين أجدادك؟! أين آباؤك؟! أين من سبقنا بالأموال والجاه والسلطان؟! أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي بل أين فرعون وهامان؟ أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل خلد الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان فالمداومة على العمل الصالح من شعار المؤمنين وأهل الإيمان.
أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم للمداومة على العمل الصالح الذي يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم استعملنا لطاعتك يا رب العالمين! اللهم استعملنا في طاعتك يا أرحم الراحمين! اللهم يا من أعنتنا على الصيام فصمنا وعلى القيام فقمنا؛ خذ بنواصينا إليك لنرضيك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تتخل عنا بذنوبنا فنهلك اللهم لا تتخل عنا بذنوبنا فنهلك اللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك يا رب العالمين اللهم أسعدنا في الدنيا بطاعتك، وفي الآخرة بجنتك اللهم أسعدنا في الدنيا بطاعتك وفي الآخرة بجنتك.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.