فيا أيها الأحبة الكرام! إن الاستقامة على الإيمان لها فضل عظيم، وخير عميم، وأثر في حياة المؤمن، ألا وهو الثبات على هذا الدين في الحياة وعند الممات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32].
هذا فضل الاستقامة: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، أي: على الإيمان بالله على ثوابت الإيمان على طريق الله وعلى طريق رسول الله (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) متى تتنزل الملائكة على أهل الإيمان والاستقامة؟! قال مجاهد وزيد بن أسلم وغيرهما: تتنزل الملائكة على أهل الإيمان والاستقامة وهم على فراش الموت.
يا رب! اجعلنا منهم، يا رب! في هذه اللحظات لحظات السكرات والكربات هل تعلم أنها لحظات قد اشتدت على حبيب رب الأرض والسماوات؟! ففي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: مات رسول الله بين سحري ونحري -أي: على صدرها- ثم قالت: (والله لا أكره شدة الموت لأحد بعدما رأيت رسول الله قد اشتد الموت عليه حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده في ركوة بها ماء -أي: في قدح به ماء- ويمسح العرق عن جبينه وهو يقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات! لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات).
وفي رواية أحمد بسند صحيح: (كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات! اللهم هوّن عليّ سكرات الموت).
في هذه اللحظات لحظات السكرات والكربات تتنزل الملائكة على أهل الاستقامة والإيمان برب الأرض والسماوات، فترى المؤمن المستقيم على الطاعة في هذه اللحظات مبتسماً سعيداً، ويخفف الله عليه السكرات والكربات، فإذا اشتد الكرب والهم والغم والألم تنزلت الملائكة بهذه البشارة: (أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ)، فيقول المؤمن المستقيم: يا لها من فرحة وسعادة! من أنتم؟ فيكون
صلى الله عليه وسلم ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث أبي هريرة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تحضر الملائكة -عند الموت، فإذا كان الرجل صالحاً قالت الملائكة وهي تخاطب روحه: أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان)، (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، قال ابن عباس وابن أبي حاتم وغيرهما: (تتنزل الملائكة على أهل الإيمان والاستقامة عند الخروج من القبور يوم البعث والنشور).
وأنا أقول: لا تعارض بين القولين، بل إن الجمع بينهما هو الأصل عندي، فالملائكة تتنزل على أهل الإيمان والاستقامة مرتين: مرة وهم على فراش الموت، ومرة إذا خرجوا من القبور يوم البعث والنشور، لتذكرهم ملائكة العزيز الغفور بهذه البشارة: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، بنص الآية: (وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا) يعني: في الجنة (مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).
(نزلاً) أي: ضيافة وإنعاماً وإكراماً (من غفور) غفر لكم الذنوب، (رحيم) رحمكم يوم الأهوال والكروب، وستر عليكم الزلات واليعوب.