جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من نبي قد بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) أي: أن كل مسلم إن عجز أن ينكر بيده أو أن ينكر المنكر بلسانه لم يعذر أن ينكر المنكر بقلبه، بمعنى أن يبغض المنكر وأهله لا أن يأنس أو يسعد بهم أو أن ينكر على منكره في يوم من الأيام، ثم بعد ذلك تتوالى الأيام، فيعايش أهل المنكر بأريحية وانشراح صدر فلا يتألم قلبه بعد ذلك لهذا المنكر.
ولذلك أيها الأحبة الكرام! خشي صدِّيق الأمة يوماً هذه السلبية القاتلة التي يرفع اليوم شعارها العلمانيون، وهي: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله إنك لن تبدل الكون، ولن تغير نظامه.
إذاً: لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، فما عليك إلا أن تصلي لله، وأن تتعبد لله عز وجل، فواجب عليك حينئذ أن تغض الطرف عن كل منكر تراه عينك، أو تسمعه أذنك، أو تراه مجدداً في واقعك الذي تراه فيه، فهذا هو معنى: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!! بل قد يتشدق أحد العلمانيين -كالثعلب الذي برز يوماً في ثياب الواعظين- ليقنِّن هذه السلبية القاتلة، وليقنِّن هذه السلبية المدمرة بآية من كتاب الله عز وجل، فربما يقرأ على أسماعنا قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105]، ومن منطلق هذا الفهم المغلوط لهذه الآية الكريمة انطلق كثير من الناس يرددون ما يقوله العلمانيون: (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) فلا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، فلا مانع على الإطلاق من أن نرى مسلماً يصلي لله جل وعلا، ثم يخرج لترى زوجته عارية لترى بناته متبرجات أو لترى أمواله في البنوك يأكل من الحرام والربا، أو ليمتثل قول الله في سورة البقرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] ويضيِّع أمر الله في السورة نفسها: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] فالإسلام في بيوت الله فحسب، أما إن خرج المسلم من المساجد فلا داعي على الإطلاق أن نزجَّ بالإسلام في قضايا الإعلام، أو في قضايا الإجهاض، أو في قضايا الإسكان، أو في قضايا الانفجار السكاني، أو في قضايا التعليم، أو في قضايا الإخصاب، أو في قضايا المرأة؛ لأن الإسلام أسمى وأجل من أن نزج به في مثل هذه القضايا والمسائل هكذا زعموا قاتلهم الله!