أيها الأحبة! والشكر يدور على ثلاثة أركان: الاعتراف بالنعمة باطناً، والتحدث بالنعمة ظاهراً، واستغلال النعمة في طاعة الله جل وعلا.
فالحمد يكون باللسان والجنان، أما الشكر فإنه يكون باللسان والجوارح والأركان.
قال الرحيم الرحمن: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:13]، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه، فقيل له: ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال المصطفى: أفلا أكون عبداً شكوراً).
فالشكر يدور على اللسان والجنان -أي: القلب- والجوارح والأركان، فإن من الله عليك بالعافية فاشكر الله عليها، والشكر لا يكون إلا باستغلالها في كل ما يرضيه.
إن منَّ الله عليك بالأولاد فاشكر الله على هذه النعمة، ولا يكون الشكر إلا بتربية الأولاد على كتاب الله وسنة الحبيب رسول الله.
إن من الله عليك بالزوجة فاشكر الله على هذه النعمة، واتق الله فيها وربها على كتاب الله وعلى سنة رسول الله.
إن منَّ الله عليك بمنصب أو كرسي فاشكر الله على هذه النعمة، وسخر الكرسي لتفريج هموم الناس وكرباتهم.
إن منَّ الله عليك بالأموال فاشكر الله على هذه النعمة، واعلم بأن الشكر لا يكون إلا بالبذل والعطاء والإنفاق.
وهكذا إن من الله عليك بالعلم، فاعلم بأن الشكر لا يكون إلا بالتعليم والتحرك هنا وهناك للدعوة إلى الله جل وعلا.
إذاً: الشكر يدور على اللسان والجنان والأركان، فاشكروا الله يا أهل العافية! واسألوا الله أن يثبتها ويديمها عليكم، وأن يعيننا وإياكم على شكرها، وأن يعيننا وإياكم على استغلالها فيما يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
يا أهل العافية! لا تبخلوا على إخوانكم المرضى بالزيارة والدعاء، فحق المرضى علينا الزيارة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).
واسمع إلى هذا الحديث الجميل الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني، فيقول العبد: يارب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول الله جل وعلا: لقد مرض عبدي فلان، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني، فيقول العبد: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول الله جل وعلا: لقد استطعمك عبدي فلان، أما علمت بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني، فيقول: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول الله جل وعلا: لقد استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي).
فمن حق المرضى علينا -نحن أهل العافية- أن نزورهم، وأن ندخل عليهم السعادة والبسمة والسرور، وأن نبث فيهم الأمل، وأن نكثر لهم من الدعاء.
وأخيراً أقول: أيها الأحبة الكرام! جددوا التوبة والأوبة، وتذكروا أن الحياة والدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تفضحوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
أقبلوا على الله، وعودوا إلى الله -أيها الشباب- يا من استغللتم نعمة العافية في معصية الله.
أيها الرجال! أيها الشيبان! أيتها المسلمات! فلنعد جميعاً إلى الله سبحانه! فنحن على ثقة من رحمة الله، ونحن على يقين بكرم الله وعفوه، قال جل في علاه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].