أما المتكبرون الذين انتشوا وانتفخوا في الدنيا ولم يذلوا أنفسهم لله، ولم يخفضوا جناح الذل لخلق الله، بل تراه مغروراً بكرسيه الذي جلس عليه تراه مغروراً بمنصبه تراه متكبراً بماله تراه متكبراً بسلطانه وجاهه.
هل عرفت صورة حشر هذا المتكبر؟! إنه سيحشر بمنظر وبهيئة لو عرفها لوضع أنفه في التراب ذلاً لمولاه! ولخفض جناح الذل لخلق الله.
يا بن التراب ومأكول التراب غداًَ اقصر فإنك مأكول ومشروب.
علام الكبرياء يا بن آدم؟! وأنت تحمل البصاق في فمك!! وتحمل العرق تحت إبطيك!! وتحمل البول في مثانتك!! وتحمل النجاسة في أمعائك!! وتمسح عن نفسك بيدك القذر كل يوم مرة أو مرتين! يا أيها الإنسان ما غرك؟! مر أحد السلف على رجل متبختر مختال في مشيته، فقال له هذا الرجل الصالح: يا أخي! هذه مشية يبغضها الله ورسوله.
فقال له المتكبر المنتفخ: ألا تعرف من أنا؟! قال: نعم أعرفك، فأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة! من أنت أيها المتكبر؟! من أنت أيها المغرور؟! تصور معي مشهد حشر المتكبر يوم القيامة! يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم-: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّر في صور الرجال).
تطؤه الأقدام.
الناس يطئون النمل بأقدامهم وهم لا يشعرون، فكذلك يحشر المتكبر يوم القيامة كالذر! تدوسه الأقدام والأرجل؛ لأنه كان منتفخاً منتشياً متكبراً مغروراً في الدنيا، والجزاء من جنس العمل، فكما انتفخ واستعلى يحشر يوم القيامة في غاية الذلة والمهانة، تطؤه الأرجل والأقدام، وهم في طريقهم إلى الرحيم الرحمن جل وعلا.
(يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، تطؤهم الأرجل، يعلوهم الذل من كل مكان).
صور رهيبة! مشاهد تخلع القلوب -ورب الكعبة- لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فإذا ما وصلت الخلائق كلها إلى أرض المحشر: تنزلت الملائكة ضعف من في الأرض، وتحيط الملائكة بأهل الأرض من كل جانب ومن كل ناحية، وهل يا ترى! ينتهي هذا البلاء وهذا الكرب؟! لا والله، بل إن الموقف فيه من الأهوال والكروب ما يخلع القلوب، وهذا هو عنصرنا الثالث.