الله أكبر! أستحلفك بالله أن تتصور معي هذه المشاهد، وأن تعيشها بقلبك وكيانك وجوارحك، ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يجسد لنا معاني هذه الآيات، فإن الكلام عن هذا المشهد من مشاهد القيامة يخلع القلوب! يجسد لنا المصطفى هذه المشاهد فيقول كما في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (يُحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفاً مشاة، يمشون على أقدامهم، وصنفاً ركباناً، وصنفاً على وجوههم، قيل يا رسول الله! كيف يمشون على وجوههم؟! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الذي أمشاهم في الدنيا على أقدامهم قادر على أن يمشيهم في الآخرة على وجوههم).
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس قال رجل: (يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه؟! فقال المصطفى: أليس الذي أمشاه في الدنيا على الرجلين قادراً على أن يمشيه يوم القيامة على وجهه؟!) قال قتادة: بلى وعزة ربنا.
ونحن نقول: بلى وعزة ربنا إنه لقادر على أن يحشر الكافرين يوم القيامة على وجوههم.
أيها الحبيب! هل تصورت -قبل أن ترى الحية- أن دابة تمشي على بطنها؟! لم تكن تتصور ذلك، كيف تمشي الحية على بطنها؟! ولكنك تصورت وصدقت لما رأيت الحية أمام عينيك، وبين يديك تزحف على بطنها، والذي جعل الحية تمشى بدون أرجل سيحشر الكافر ماشياً على وجهه يوم القيامة! إنه على كل شيء قدير.
وأستحلفك بالله أن تتصور هذا المشهد: أناس يمشون في أرض المحشر، وأناس يركبون، وأناس يمشون على وجوههم، منظر بشع رهيب لا يستطيع بليغ فصيح أن يعبر عنه! أناس يمشون على الأقدام، وأناس يركبون، من هؤلاء الذين يركبون في هذا اليوم العصيب الرهيب؟! اسمع لربك جل وعلا، قال سبحانه: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:85] وفداً: أي: ركباناً، لا يمشي المتقون في أرض المحشر على أقدامهم، بل يهيئ الله لهم ركائب من دواب الآخرة، عليها سُرُج من ذهب، وتتنزل الملائكة لأهل التقوى في أرض المحشر؛ لتبشرهم بهذه البشارة: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103]، {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] ويقدم الملائكة لأهل التقى ركائب من دواب الآخرة، عليها سرج من الذهب فيركب المتقون، وينطلقون بها في أرض المحشر، فلا يمشون على أقدامهم في هذا اليوم العصيب، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!