وأختم في عجالة وأقول: وأخيراً فلنكن على مستوى هذا الدين، لأجيب على سؤال عنوان المحاضرة: متى نصر الله؟ وأقول كما قال عز وجل: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، بشرط أن نكون على مستوى هذا الدين، وأن ننبذ هذا الخلاف، وهذه العصبية والفرقة؛ كفاية فرقة، ألا يوجد مصيبة تجمعنا أبداً؟ كل هذا يحصل على الأمة وما زلنا متفرقين! ولا زال كل طرف يتغنى بجماعته! فنريد أن نلتقي على قلب رجل واحد، ونريد أن ننبذ هذه الفرقة وهذا الخلاف، وليقترب كل أخ من أخيه، وليصحح له الخطأ بحب ورحمة وحكمة وتواضع.
إلى متى سنظل على هذه الفرقة يا إخواني؟! إلى متى سنظل على هذا الخلاف؟ وإلى متى سنظل على هذه الأواصر وعلى هذه الموالاة وعلى هذه المعاداة؟ إن لم تكن في جماعتي فأعاديك وإلا أواليك! هذا لا يرضي الله عز وجل ولا يرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلتلتقي القلوب على قلب رجل واحد، وليصحح كل أخ لأخيه خطأه بالحكمة والرحمة والمحبة والتواضع.
فقد اتفق الشرق والغرب على القضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين، ولا زال خير الأمة من العلماء والدعاة وطلبة العلم متفرقين! هذا لا يرضي رب العالمين، ولا سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
فلنكن على مستوى هذا الدين، فلننبذ العصبية والفرقة والخلاف، ولتمتلئ قلوبنا بالحب في الله لإخواننا وأحبابنا، وليقترب كل أخ من أخيه؛ فإن رأيت أخاك على خطأ عقدي -وما ظنك إذا كان أخوك على خطأ حركي- فاقترب منه، وذب معه في بوتقة الحب في الله، وقل له: يا حبيبي في الله! هذا خطأ، وليرى أخوك منك الرحمة والحب والحكمة والتواضع، وأنا أعي يقيناً أنه إن رأى منك ذلك فسيذلل الله قلبه للحق الذي أجراه الله على لسانك.
فلننبذ الفرقة والسلبية، ولنكن إيجابيين، وليبذل كل واحد منا عملاً لدين الله؛ فلا نريد كلاماً، بل نريد عملاً، ففكر كيف تخدم الدين؟ ولا نريدكم -يا إخواني- كلكم أن تكونوا دعاة على المنابر، ولا نريد أن تتحول الأمة كلها دعاة على المنابر، كلا! وإنما نريد أن تتحول الأمة كلها دعاة إلى دين الله من موقع الإنتاج، ومواطن العطاء، وأنا أحزن جداً لما يجيء إلي أخ فيه الخير ويقول لي: أنا أريد أن أترك كلية الطب، أو كلية الهندسة! فأقول له: لماذا؟ فيقول: أريد أن أتفرغ للعلم الشرعي! وأقول: يا إخواني! نريد أن نعد الكوادر الإسلامية المتخصصة في كل مناحي الحياة، وكل شئون الدنيا؛ لتسيير نظام الحياة من خلال منظور الإسلام، فمن الذي سيسير دفة الحياة من منظور إسلامي إلا مسلم متخصص في تخصصه، ويعرف دين ربه وسنة نبيه.
وانظر معي -أيها الشاب- نظرة سريعة حتى تطمئن لكلامي، انظر نظرة سريعة إلى الدعاة المؤثرين الآن في الساحة؛ لتعلم يقيناً أن دراستهم التي وفقوا فيها ووصلوا بها إلى أرقى الدرجات لم تكن أبداً دراسة شرعية، وستجد أن هذا خريج طب، وهذا خريج هندسة، وهذا خريج إعلام، وهذا خريج كذا، وهذا خريج كذا، وسبحان الله! أحدهم لم تمنعه دراسته من أن يصرف وقتاً ليحصل فيه العلم الشرعي، وليتحرك لدين الله، ولدعوة الله عز وجل.
يا أيها الحبيب! أخلص في عملك، واجتهد في تخصصك، وفكر كيف تخدم دينك من هذا الموقع؛ فنحن نريد الطبيب المسلم، والمهندس المسلم، والفلكي المسلم، والطيار المسلم، والوزير المسلم، والدبلوماسي المسلم، والجيولوجي المسلم، والمدرس المسلم، والتاجر المسلم، ونريد الكوادر المسلمة الواعية الفاهمة لدين الله، التي تقف في مواقع إنتاجها ومواطن عطائها لتقول بسلوكها وفعلها وعملها: هذا هو الإسلام؛ لأننا الآن نعيش عصراً أصبح يُحكَم فيه على الإسلام من خلال واقع المسلمين المر الأليم.
وأخيراً: فلنتحرك جميعاً لدعوة الله، ولدين الله، بكل جهد وبكل طاقة، وبسلاح من الخلق العلي، والحكمة البالغة، والكلمة الطيبة، لا نريد إلا هذا، ولنتذكر دائماً قول الله لنبيه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عن مصر الوباء، اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصر واحة للرخاء والاستقرار، اللهم ارفع عن مصر الغلاء، اللهم ارفع عن مصر الوباء، اللهم ارفع عن مصر البلاء، اللهم احفظ على مصر توحيدها، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين.
اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني أنا ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.