منهج الله فيه حكم كل شيء

ثانياً: ولمنهج الله حكم.

أيها المسلمون! لابد أن تعلموا جميعاً أنه ما من شاردة ولا واردة في قضية من القضايا أو مسألة من المسائل القديمة أو الحديثة إلا ولمنهج الله فيها حكم، ولمنهج الله عليها تصور، فقضية تحديد النسل لها حكم في منهج الله.

وقضية الإجهاض لها حكم في منهج الله.

وقضية العلاقات الزوجية لها حكم في منهج الله.

وقضية العلاقات الشاذة بين الرجل والرجل باللواط وبين المرأة والمرأة بالسحاق، لها حكم واضح في منهج الله.

وكذا قضية تعدد أشكال الأسرة، وما معنى تعدد أشكال الأسرة؟ يعني: شكل يكون بين زوج وزوجة، وشكل آخر يكون بين رجل ورجل، وشكل ثالث امرأة مع امرأة، فتعدد أشكال الأسرة، وتوفير الثقافة الجنسية للمراهقين من الشباب لحمايتهم من الوقوع في مرض نقص المناعة المعروف بالإيدز، كل هذا له حكم في منهج الله، ولمنهج الله تصور واضح لكل هذه القضايا.

وعلاقة العبد بخالقه لها حكم في منهج الله.

وعلاقة العبد بالناس لها حكم في منهج الله.

وعلاقة الإنسان بأعدائه لها حكم في منهج الله.

والمعاملات الاقتصادية لها حكم في منهج الله.

والمعاملات السياسية لها حكم في منهج الله.

والمعاملات السياسية في الحرب والسلم لها حكم في منهج الله.

وما من قضية من القضايا أو مسألة من المسائل إلا ولها حكم في منهج الله، فهل يجوز لمسلم يؤمن بالله أن يقدم شرع البشر على شرع الله؟

صلى الله عليه وسلم لا، بل يجب أن يعرض تشريع المؤتمرات على تشريع رب الأرض والسماوات.

وما هو الذي يجب علينا أن نقدمه، وأن نعرض كل مؤتمرات الدنيا وكل تشريعات البشر عليه؟ الجواب: إنه تشريعنا وديننا، إنه قول ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو الأصل، وذلكم هو الميزان الحساس الدقيق، وأهلاً ومرحباً بأي قانون يضعه الغرب شريطة أن يعرض هذا القانون على كتاب ربنا وعلى سنة نبينا، فإن أقر القرآن والسنة هذا القانون قبلناه، وإن اعترض القرآن والسنة عليه ورفضا هذا القانون رفضناه، وضربنا به عرض الحائض، ولو شرع هذا القانون البيت الأبيض أو الأحمر أو الأسود! وهذه قضية خطيرة، فنحن أمام حد الإسلام وشرط الإيمان، فيا مسلمون! هذه قضية خطيرة كبيرة، وأنتم أمام شرط الإسلام وحد الإيمان، بمعنى: إما إسلام بالإذعان لشرع الله، وإما كفر بالاعتراض على شرع الله، إما إيمان بالانقياد لحكم الله ورسوله وإما كفر بالاعتراض على حكم الله ورسوله، هذه قضية يقررها الله بنفسه، ويقسم عليها بذاته، فقال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] وليس هذا فقط، بل يجب أن تحكم الله ورسوله، وأن تكون في غاية الحب والرضا عن الله وعن رسول الله وعن حكم الله وعن حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، ويؤلم القلب المؤمن أن الفاتيكان ترفض كثيراً من بنود هذا المؤتمر، وترفض كثيراً من توصيات هذا المؤتمر، وترفض أن يشارك في المؤتمر الشاذون جنسياً، ويوجد خمسمائة شاذ يشاركون في المؤتمر! فهل نأخذ توصياتنا عن الشواذ؟! وهل نأخذ تشريعنا من الشواذ؟! وهل نأخذ قانوننا من الشواذ؟! وهل هذا يرضي الله أو يرضي رسول الله؟! ثم بعد ذلك تعلن الحرب الهوجاء على كل من حذر الأمة من هذا الخطر الدامغ والماحق لهذه الأمة، ويوصف بالإرهاب والتطرف! لا ورب الكعبة! بل إن الإرهاب والتطرف بعينه هو أن نأتي للأمة بهذا الخطر الماحق، وبهذا الخطر الدامس الدامغ، ثم بعد ذلك نقول: لا يجوز لأحد أن يحذر أو أن ينذر أو أن يذكر.

فلا نريد شعارات، وإنما نريد عملاً وسلوكاً، ونريد واقعاً، لقد صرخت الأمة طيلة السنوات بالشعارات فماذا فعلت؟! وماذا صنعت؟! إن العالم كله الآن يتحرك برجولة، ويتحرك بجدية وبقوة، ولا زال المسلمون يتغنون؛ ولا يجيدون إلا لغة الشعارات والشجب والاستنكار، وتخرج علينا المجلات والصحف أمام كل كارثة، وأمام كل مصيبة بالخطوط العريضة: نشجب ونستنكر!! ما شاء الله! هذه هي لغتنا، أما العمل، وأما السلوك، وأما أن نقدم لدين الله شيئاً، فلا! إنا نريد أن نثبت للعالم كله أن الإسلام وأن محمداً -كما يقول اليهود- لم يخلف بنات، بل ترك رجالاً أطهاراً يعلمون حقيقة هذه الدنيا وحقيقة هذا الدين؛ فتتحرق قلوبهم كمداً وغيضاً، وتتحرك جوارحهم للعمل لهذا الدين، ويشهدون شهادة عملية لهذا الدين العظيم، ولهذا الإسلام الكريم.

أقول أيها المسلمون الأحبة: ما من قضية إلا ولمنهج الله فيها حكم، نريد أن نعي هذه الحقيقة وهذه القضية الكبيرة ألا وهي: أنه لا يجوز لأحد إن كان مسلماً أن يقدم شرع المهازيل من البشر على شرع رب البشر وسيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم، ومرفوض أي تشريع يصدر عن مؤتمرات أو برلمانات أو مجالس شعبية أو برلمانية أو هيئات أو منظمات أو بيوت بيضاء أو سوداء أو حمراء إن كان يخالف تشريع ربنا، ولا يجوز لمسلم على ظهر هذه الأرض أن يقبله، نقول ذلك بملء أفواهنا: لا يجوز لمسلم أن يفعل ذلك إلا إذا كان قد ترك إسلامه، وقد تخلى عن دينه، فله أن يفعل ذلك حينئذٍ، أما وهو يعلن أنه مسلم فلا يجوز له ألبتة أن يقدم تشريع المهازيل من البشر على تشريع رب البشر جل وعلا، قال عز وجل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:51 - 52].

إذاً: أيها الحبيب الكريم! منهج الله لابد أن يقدم، وتشريع الله لابد أن يقدم، يقول صاحب (الظلال): إن هذه الحياة البشرية من خلق الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدم إليها من يد الله، فرحم الله السيد قطب؛ فإنه يلخص المسألة في هذه الفقرات: إن الحياة البشرية من خلق الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدم لها من يد الله، قال عز وجل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:123 - 127].

وهذا هو أخطر عنصر من عناصر المحاضرة، ولا أريد أن أطيل فيه أكثر من هذا، ولكني أقول: منهج الله له حكم لكل مسألة، وله حكم لكل قضية، فيجب أن نعرض القضايا والمسائل على منهج الله ابتداءً، فإن أقرها منهج الله أقررناها وقبلناها، وإن رفضها منهج الله رفضناها وضربنا بها عرض الحائط، حتى ولو قالها أعلم أهل الأرض، ولو لم نخرج من هذه المحاضرة إلا بهذا العنصر لكفى.

فتحديد النسل، والإجهاض -الإجهاض الآمن أو غير الآمن- والعلاقات الأسرية، والعلاقات الزوجية، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الاقتصادية، والعلاقات السياسية، والعلاقات الحربية، والإعلام والتعليم، وكل صغيرة وكبيرة؛ منهج الله له حكم وله تصور لكل هذه القضايا، ولكل تلك المسائل، فيجب علينا -نحن المسلمين- أن نحكم منهج الله وشرعه في كل قضية وفي كل مسألة، بل وفي كل جزئية، يقول الله عز وجل: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3]، يقول السيد قطب رحمه الله تعالى: يا محمد! ما أنزل الله عليك هذا القرآن لتشقى بأوامره، أو لتشقى بنواهيه، أو لتشقى بتكاليفه، أو لتشقى به أمتك من بعدك، بل ما أنزل الله عليك هذا القرآن إلا لتقيم به أمة، وإلا لتنشئ به دولة، وإلا لتربي به العقول والقلوب والضمائر والأخلاق، وواجب على الأمة أن تعود إلى هذا القرآن، يقول: والعودة إلى القرآن ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً، إنما الإيمان أو لا إيمان، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015