المأمون وهارون الرشيد يحتضران

ولما احتضر هارون الرشيد ونام على فراش الموت طلب أن يرى كفنه، ونظر إلى كفنه بعينيه قبل أن يموت، وبكى وبكى وبكى، ثم قال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]، أين المال؟ وأين منصبي؟ وأين جاهي وأين سلطاني؟ وأين مرءوسي؟ وأين خدمي وأين حشمي؟ وأين عماراتي؟ ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانية! ولما احتضر المأمون أمرهم إذا أفاق من سكرات الموت أن يحملوه فيرى قبره بعينيه قبل أن يموت، فحملوه إلى قبره، فنظر إلى قبره وقبض على لحيته، وأخذ يبكي ويبكي ويبكي، ثم رفع رأسه إلى الله وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.

ويروى أن أحد الصالحين قام فجعل لنفسه في بيته قبراً، وكلما سيطرت عليه الشهوات، وسيطرت عليه الدنيا، وسيطرت عليه الفتن؛ نزل إلى هذا القبر الذي حفره بيديه، ويغلقه على نفسه بخشبة أعدها لذلك، ويظل يصرخ في قبره ويصيح ويقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، ويظل يصرخ ويصيح بأعلى صوته حتى تنقطع أنفاسه، ويغرق في عرقه، فيقلع الخشبة ويخرج إلى النور والهواء، ويبكي ويقول: ها أنت يا نفس قد عدت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015