وأختم أدب الخلاف بهذا الأدب الكريم الهام، ألا وهو: مناقشة المسألة الخلافية بالحكمة والرحمة، بالتي هي أحسن، ناقش معي المسألة الخلافية التي تخالفني فيها، وأنا أناقشها معك بحكمة ورحمة، وبالتي هي أحسن، تدبر معي قول الله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، وهل الجدال -يا رب- في المسائل يكون بالحسنى؟ لا، بل قال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] يعني: لو وجد حسن وأحسن فالدعوة تكون بالحسن، والجدال يكون بالأحسن {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، هذه للدعوة، أما الجدال فقال فيه: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
جادل أخاك في مسألة من مسائل الاجتهاد بالتي هي أحسن، بالحكمة والرحمة، قال ابن القيم: الحكمة هي قول ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي.
وناقشني وأنت رحيم بي، لا تسفه أخاك، لا تتكبر على أخيك، لا تظن أنك المتبع وهو المبتدع، لا تر في نفسك أنك التقي وهو الشقي، لا تنظر إلى نفسك أنك الطائع وهو العاصي، لا تنظر إلى نفسك أنك العالم وهو الجاهل، لا يا أخي! جادلني برحمة، جادلني بحب، جادلني بحكمة، جادلني بالتي هي أحسن وسينتهي الخلاف إن شاء الله تعالى بالحب، ولو خرجت أنا وأنت بعد مناقشة المسألة ولم نلتق، فكلانا إن شاء الله مأجور، مع أن واحداً منا على خطأ، والآخر على صواب، ومع ذلك فكلانا مأجور (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر).
أيها الأحبة الكرام! هذا ما وددت أن أبثه لإخواني وأحبابي، وسامحوني إن كررت عليكم هذا الدرس مرة ومرة ومرة ومرة، فسأكرره، وسأذكر به، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا رحماء فيما بيننا، وأن يجعلنا أشداء على أعدائنا، وأن يرزقنا وإياكم العفاف والتقى والغنى، ويمتعنا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين.
اللهم ألف بين قلوبنا ووحد صفنا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.