القاعدة الرابعة: إقامة الشهود على العباد، وأعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الملك الذي يعلم السر وأخفى، وعلم ما كان وما هو كائن، وما سيكون، فالله جل وعلا هو أعظم شهيد علينا يوم القيامة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء:33] ثم تأتى الرسل فيشهد كل رسول على أمته، وتأتى أمة الحبيب لتشهد على جميع الأمم.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] وقال تعالى مخاطباً حبيبه المصطفى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41] وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُدْعَى نوح يوم القيامة فيقال له: يا نوح، فيقول: لبيك وسعديك.
فيقول الله: هل بَلَّغْتَ قومك؟ فيقول نوح: نعم يا رب! فيقول الله جل وعلا لقوم نوح: هل بَلَّغَكُم نوح؟:فيقولون: لا، ما أتانا من أحد، فيقول الله جل وعلا: من يَشْهَد لك يا نوح؟ فيقول نوح: يشهد لي محمد وأمته، يقول المصطفى: فتدعون فتشهدون له، ثم أشهد عليكم فذلكم قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]) ثم تشهد الملائكة، قال تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] ثم تشهد الأرض بما عملت على ظهرها من طاعات وسيئات، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم: قرأ يوماً قول الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4].
فقال: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أخبارها: أن تشهد الأرض على كل عبد أو أَمَةٍ بما عمل على ظَهْرِهَا، فتقول: يا رب! لقد عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا)، فهذه أخبارها، فيجادل العبد اللئيم ربه الكريم ويقول: يا رب! أنا أرفض هذه الشهادة، وأرفض هؤلاء الشهود.
يا سبحان الله! يظن أنه في محكمة من محاكم الدنيا! يقول العبد اللئيم لربه الرحيم الكريم: أنا أرفض هذه الشهادة ولا أعترف بشهادة هؤلاء الشهود! كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أنس (أنه صلى الله عليه وسلم ضحك -بأبي هو وأمي-، ثم قال لأصحابه: لم لا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال المصطفى: أضحك من مجادلة العبد لربه يوم القيامة، يقول العبد لربه: يا رب! ألم تجرني من الظلم؟! فيقول الله: بلى، قد أجرتك من الظلم.
فيقول العبد: فإني لا أجيز شاهداً علي إلا من نفسي، فيقول الله سبحانه: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، فيختم الله على فيه -على فمه، وعلى لسانه، الذي تعود الجدال والكذب واللؤم والنفاق- ويأمر الله أركانه وجوارحه أن تنطق، فتشهد عليه جوارحه وأركانه، فإذا خلي بينه وبين الكلام، سب ولعن أركانه وقال لها: سحقاً لكن سحقاً لكن فعنكن كنت أناضل!).
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]، وقال جل وعلا: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:19 - 24].