هكذا أنت أيتها المسلمة الفاضلة! يا صاحبة الحجاب! يا صاحبة العفة والشرف! فهذا هو التحدي الخارجي، أما التحدي الداخلي فحدث ولا حرج، ومنه الجهل بالإسلام، وضعف الإيمان، فأنا لا أتصور أن مسلماً أو مسلمة يعيش بالإسلام للإسلام، وهو يجهل الإسلام!! ومن هذه التحديات غياب القدوة، أختي الفاضلة! أخي الحبيب! إن التربية بالقدوة في داخل الأسرة من أعظم وسائل التربية، فلا يمكن أبداً أن يتعلم الولد الصدق إذا رأى أباه يكذب! ولا يمكن أبداً أن تتعلم البنت الفضيلة، إن رأت أمها مستهترة! ولا يمكن أن تتعلم الأمانة إن رأت أمها خائنة لأبيها أو لزوجها.
مشى الطاووس يوماً باختيال فقلد شكل مشيته بنوه فقال علام تختالون قالوا بدأت به ونحن مقلدوه وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه وأيضاً من هذه التحديات الصحبة السيئة، فالصحبة السيئة تؤثر على أولادنا، وعلى أسرنا تأثيراً بالغاً؛ لأن الولد قد يتأثر بأصحابه تأثراً يفوق تأثره بالبيت؛ لذلك قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).
ومن التحديات الداخلية عدم قيام المسجد والدعاة إلى الله بدورهم الحقيقي، لا أنكر هذا، قد يأتي الشاب إلى المسجد فيرى طرحاً دعوياً مملاً، لا يتناسب مع مشكلاته وأزماته، بل نرى أحياناً القائمين على المساجد يطردون الأطفال، ويسيئون إليهم لمجرد البكاء والضوضاء، هذه عادة الطفل وطبيعته، فهل تريد أن تحكم على الطفل بعقليتك؟! لا تريد منه أن يلعب أو أن يمرح، فإن طردت الأطفال من المساجد، فأين سيتربى أبناؤنا؟! فهذا من عدم قيام المسجد بدوره الحقيقي، والقصور الشديد في الطرح الدعوي.
لقد قدر الله أن أكون مسافراً في يوم جمعة، وقلت لأهلي: هيا لنصلي الجمعة ولنسمع، فمنذ زمن وأنا خطيب لا أسمع الخطباء، مع أن المسافر لا جمعة عليه، لكن أحببت ذلك، والله لقد قال الخطيب على المنبر كلاماً لولا خشية الفتنة لارتقيت المنبر، وأتيت به من رقبته، لقد قال هذا الخطيب: لما قتل عثمان بعث معاوية -رضوان الله على معاوية - لـ نائلة رضوان الله عليها، وقال لها: يا نائلة! ها هو ذا عثمان قد قتل، وأنا أريد أن أتزوجك.
قالت له: ما الذي يعجبك فيّ يا معاوية؟ -هكذا على المنبر بهذه الطريقة- قال لها: عيونك! قالت له: طيب، انتظر قليلاً، ودخلت فخلعت عيونها، ووضعتها على طبق، وخرجت لـ معاوية قائلة: يا لي أنت غاوي الجمال روح القبر واطلع تلاقي الجمال بقى رمم وعظم منخلع أهذا يقال على المنابر؟!! فنحن نرى قصوراً خطيراً في الطرح الدعوي، لا يتلاءم ولا يتفق مع مشكلات أولادنا، ومشكلات عصرنا.
إن الداعية الأمين -أسأل الله أن يجعلنا منهم- هو الذي لا تغيب عنه أمته بمشكلاتها وأزماتها وجراحها وآلامها، بل يشخص الداء، ويحدد الدواء من القرآن، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يأتي الإعلام كتحد سافر يحطم الأسرة المسلمة بلا نزاع، فإنني أقول باطمئنان وثقة: إن وسائل الإعلام كلها من التلفاز والجرائد والمجلات والفيديو والإعلانات والمسلسلات والأفلام والمسرحيات تعزف كلها على وتر واحد، على وتر الجنس، على وتر الدعارة، على وتر العنف والجريمة، وإن وسائل الإعلام مسئولة مسئولية كبيرة عن انحراف أبنائنا، وذوبان أسرنا في بوتقة الشرق الملحد والغرب الكافر.
والتعليم الذي كان من المفترض أن يكون عوناً لأبنائنا وبناتنا بعد البيت على التربية، ولكن بكل أسف لا يوجد ذلك، ورحم الله محمد إقبال إذ يقول: إن المناهج التعليمية الحديثة تحسن أن تعلم أبناءنا المعارف والمعاني والعلوم، ولكنها لا تحسن أن تعلم عيونهم الدموع، ولا قلوبهم الخشوع.
تلك تحديات خارجية وتحديدات داخلية خطيرة كثيرة، تهدم ما يبنيه كثير من الآباء والأمهات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!