القسم الأول: وهو التحديات الخارجية: وتتمثل في المخطط اليهودي الصليبي الحاقد؛ لإخراج الأسرة المسلمة من المجتمع الإسلامي عقيدة وعبادة وشريعة، وأخلاقاً وسلوكاً، وذلك عبر نقاط محددة، وهي: أولاً: التشكيك، ثم التذويب، ثم إفساد المرأة المسلمة باعتبارها العمود الفقري، والمحور المركزي، لقيام الأسرة المسلمة الصحيحة.
أما التشكيك فقد جعل المخطط الصليبي اليهودي يشكك الأسرة، بل ويشكك الأمة الإسلامية الكبيرة، يشككها في منهجها الرباني: في القرآن، وفي السنة، وقالوا: إن القرآن كان يخاطب أناساً في أرض الجزيرة العربية، لكننا نعيش الآن في عصر (الإنترنت)، عصر أتوبيس الفضاء (دسكفري)، إننا نعيش عصراً قد وصل فيه العقل البشري والعلم المادي إلى مكانة عالية: صنع العقل القنبلة النووية، وفجر الذرة، وغاص في أعماق البحار، وانطلق في أجواء الفضاء، فماذا تريدون؟ إن أردتم -أيها المسلمون- التقدم والحضارة والمدنية لابد أن تنبذوا دينكم، وأن تنظروا إلى النموذج الغربي الذي قفز قفزات هائلة في الجانب العلمي، وفي التقدم المادي، وأنا لست كالنعام: أدفن رأسي الآن في الرمال؛ لأنكر ما وصل إليه الغرب في الجانب المادي، كلا، كلا، بل أنا أقر به، لكن يا إخوة! اعلموا يقيناً بأن الحياة لا تتوقف عند الجانب المادي فحسب، ولو أن طائراً عملاقاً أراد أن يحلق في أجواء الفضاء لفترة طويلة؛ فطار بجناح واحد، فإنه حتماً سيسقط، فينكسر جناحه الآخر، فالحياة ليست مادة فحسب، بل إن الغرب وقف عاجزاً أمام الشق الآخر: أمام الروح؛ لأن الروح لا تقاس بالترمومتر، ولا توزن بالجرام، ولا توضع في بوتقة التجارب في معامل الكيمياء والفيزياء، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85]، وأنتم تعلمون يقيناً أن الأسرة في الغرب تفككت وتشتتت، بل إن الغرب يعيش الضنك بكل معانيه، مصداقاً لقول الله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:123 - 124]، انظروا إلى عدد عيادات الطب النفسي! انظروا إلى حالات الانتحار الفردي والجماعي! انظروا إلى حالات القلق النفسي! انظروا إلى حالات الاضطراب! انظروا إلى التفكك الأسري! فأنا لا أنكر أن الغرب وصل في الجانب المادي إلى ما وصل إليه، لكنه يعاني في الجانب الآخر.
والله لا أنسى ذلك الموقف وأنا ألقي محاضرة في يوم من الأيام في مركز من المراكز الإسلامية هنا في أمريكا، وإذ بأحد الإخوة يستوقفني، ويقول لي: لو سمحت -يا شيخ- نريد أن يردد هذا الأمريكي الشهادة خلفك، فلقد جاء مسلماً لله جل وعلا، فقلت: تفضل أيها الأخ الكريم! وقبل أن يردد خلفي الشهادتين قلت له: أخي! ما الذي أتى بك إلينا، وأنت ترى أحوال المسلمين لا تسر عدواً ولا حبيباً؟! ما الذي جاء بك إلينا؟ فقال هذا الأمريكي: بأنه ملياردير، يملك الأموال والشركات والأساطيل.
ثم يقول: ما شعر هذا الرجل بطعم السعادة قط، يقول: انتشلوه من محاولة الانتحار أكثر من عشر مرات، ثم قال لي: دخلت يوماً على هذا الموظف -وأشار على أخ سوري معه وهو يعمل في شركة من شركاته- فرأيت هذا الموظف يغسل قدمه في حوض الماء الذي أغسل فيه وجهي، فتعجبت وقلت: كيف تغسل قدمك في هذا الحوض؟! قال: أنا أتوضأ وأغسل قدمي خمس مرات في اليوم، فقال: ما الوضوء؟ فأخبره، قال: ولماذا؟ قال: للصلاة، قال: ما الصلاة؟ فعلمه، فقال: تصلي لمن؟ لله، قال: من الله؟ فأخبره، فقال له: لماذا كلما دخلت عليك وجدت السعادة في وجهك، ورأيتك نشيطاً، ما رأيتك سكراناً قط؟! قال: إن ديني يحرم عليّ الخمر، وإن نبيي يعلمني حديثاً يقول فيه: (عجباً لأمر المؤمن!! إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له) فقال: ماذا لو دخلت في دينك هذا، هل سأشعر بالسعادة التي تشعر بها؟ قال: نعم، قال: أدخلني.
وأنتم تعلمون أنهم لا يتعصبون لعقيدة، وأنا أقول لإخواني دائماً: الذي يسبق إلى الشعب الأمريكي يكسب الجولة، فإنه شعب لا تعصب عنده، لكن المشكلة عندنا، فإننا لا نتحرك لدين ربنا، ولا لدين نبينا صلى الله عليه وسلم، قال: أدخلني، فجاء به إلى المركز الإسلامي، تعجبت حينما قال: بأنه لم يشعر بطعم السعادة، بعدما أصر أن أذهب معه إلى قصره أو إلى بيته؛ لأتناول معه طعاماً في بيته، فدخلت بيتاً مصنعاً من الزجاج على الشاطئ، نصف البيت في المحيط، والنصف الآخر على الشاطئ في اليابسة، فتعجبت كيف يعيش هذا الرجل في هذا النعيم، ومع ذلك لم يشعر بطعم السعادة! فلما قام بين يدي وردد الشهادة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، بكى بكاء هستيرياً طويلاً!! فأراد الإخوة أن يسكتوه، فقلت: دعوه، اتركوه، فلما كف عن البكاء، وسكنت جوارحه، قلت له: أخي! لماذا بكيت؟ فرد في ترجمة حرفية قائلاً: والله! إني أشعر الآن بسعادة في صدري ما ذقت طعمها قبل الآن! قلت: إنها نعمة شرح الصدر بالإسلام!! ولا يذوق طعمها إلا من شرح الله صدره للإسلام، أنتم -أيها الإخوة الكرام- في نعمة والله! أنتم في نعمة! يا من خلقك الله موحداً وأرسل إليك محمداً! لو وضعت رأسك على التراب؛ لتشكر الله على هذه النعمة حتى تلقاه ما وفيت الله حقه.
قال الشاعر: ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيا وقال الله تعالى قبل ذلك: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]، فالمخطط الصليبي اليهودي يسعى للتشكيك في الدين في المنهج الإسلامي التربوي، بل ورأينا الآن رجالاً ونساء من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، يرددون ما ردده وأصله اليهود والنصارى، فهم يشككون الآن في الثوابت، وإن المؤتمر الذي عقد في مصر في الشهر الماضي والذي يسمى بمؤتمر تحرير المرأة، وسميته في خطبة جمعة مباشرة: بمؤتمر انفلات المرأة، فهم يشككون في ثوابت الدين في أصول هذا الدين وأركانه، تخرج علينا امرأة تنسب إلى الإسلام، فتقول: لا بد من إلغاء قوامة الرجل، وأخرى تقول وهي دكتورة: إن الرجال يركعون أمام ركبتي مادلين وأولبريت الجميلتين، ويفعلون كذا -لفظة يعف لساني والله عن ذكرها- يفعلون فعلة معروفة بين شبابنا إلا من رحم ربك، ويفعلون كذا على صور مارلين مونرو، ثم تقول أخرى: لا بد من مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، وتقول أخرى: لا بد من إلغاء العدة والاكتفاء بالعودة إلى الطب الحديث؛ للتحقق من إبراء الرحم من الحمل من عدمه، حرب على الثوابت، حرب على الأصول والأركان والكليات، مخطط للتشكيك.
ثم بعد هذا التشكيك -يا إخوة، ويا أخوات -يكون التذويب يصبح المسلم- الذي هزم فكرياً ونفسياً- مستعداً للذوبان في بوتقة الغرب أو الشرق، وصدق المصطفى إذ يقول، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب -وفي لفظ: خرب- لتبعتموهم، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) من غير هؤلاء؟! إنه الذوبان، وقدموا لنا النموذج الغربي على أنه النموذج الأوحد الفريد في السعادة والتقدم.
قال الشاعر: قالوا لنا الغرب قلت: صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاوٍ من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدينا الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يد أبدى لها السكينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلام يحمل قومنا الزيتونا كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهونا أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه لكن ألوم المسلم المفتونا وألوم أمتنا التي رحلت على درب الخضوع ترافق التنينا وألوم فينا نخوة لم تنتفض إلا لتضربنا على أيدينا يا مجلس الأمن المخيف إلى متى تبقى لتجار الحروب رهينا لعبت بك الدول الكبار فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا شكراً لقد أبرزت وجه حضارة غربية لبس القناع سنينا شكراً لقد نبهت غافل قومنا وجعلت شك الواهمين يقينا يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا سيريك ميزان الهدى ويرينا إن كنت في شك فسل فرعون عن غرق وسل عن خسفه قارونا