الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله أجمعين.
أما بعد: فمن المفترض أن يكون حديثنا اليوم عن الأحداث المؤسفة الأخيرة، من اعتداء أمريكي سافر على السودان وأفغانستان، أسأل الله جل وعلا أن يفرج الكرب عن بلاد المسلمين وعن أمة محمد إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولكن الإخوة جزاهم الله خيراً أخبروني أن مجموعة كبيرة من الشباب تحضر معنا اليوم لأول مرة، واستحلفوني بالله أن أرقق قلوبهم لعل الله أن يشرح صدورهم للالتزام، على وعد مني إن شاء الله تعالى بأن أعلق على هذه الأحداث المؤلمة في الخطبة التي كنت قد أعددت لها بعنوان: (عالم الغاب والذئاب).
وأسأل الله جل وعلا أن ييسر لنا أن نذكر بهذا الموضوع إنه ولي ذلك ومولاه؛ لذا فإن عنوان لقائنا اليوم: (هيا بنا نؤمن ساعة).
وكما تعودت -حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا- فسوف أركز الحديث اليوم مع شبابنا وأحبابنا في العناصر المحددة التالية: أولاً: جدد إيمانك.
ثانياً: قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب.
ثالثاً: إلى أين المصير؟! وأخيرًا: متى سنتوب؟ فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
أولاً: جدد إيمانك.
أخي الحبيب! إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، وهو يزيد بالطاعات وينقص بالزلات والعصيان، قال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4].
إخوتي الكرام! إذا تراكمت سحب المعاصي على القلب حجبت نور الإيمان في القلب كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض، فإذا انقشعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرة أخرى، كذلك إذا انقشعت سحب المعاصي والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان في القلوب.
فلابد من تعهد القلب أيها الشباب! لابد من تجديد الإيمان في القلب وتقويته من آن لآخر، وذلك بتعريض القلب لمواد تقوية الإيمان بالله جل وعلا، كقراءة القرآن، وذكر الرحمن، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والاستغفار، وزيارة المقابر، وزيارة المرضى، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والإنفاق على الفقراء والمساكين، والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين.
هذه هي الأعمال التي تقوي وتجدد الإيمان في القلب؛ فإن القلب -أيها المسلمون- هو ملك الأعضاء، والأعضاء والجوارح هي جنوده ورعاياه، فإن طاب الملك طابت الجنود والرعايا، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا، كما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب أن البشير النذير صلى الله عليه وسلم قال: (ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
فلابد من تعهد الإيمان في القلب، ولابد من تجديد الإيمان في القلب من آن لآخر؛ لأن الإيمان يقوى ويضعف، ويتجدد ويبلى، ووالله الذي لا إله غيره، لا أعلم زماناً قست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب، وقل الخوف فيه من علام الغيوب كهذا الزمان.