الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد: أيها الأحبة! وإن كان الله جل وعلا قد جعل الابتلاء والفتن لأهل الإيمان سنة ثابتة سارية فاطمئنوا، واعلموا يقيناً أن النصر في نهاية الطريق سنة ثابتة سارية، وأن أخذ الله جل وعلا للظالمين والمجرمين سنة ثابتة سارية، قال الله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:34]، لابد من النصر في نهاية الطريق، في الوقت الذي يشاء ربنا، إن الله لا يعجل لعجلة أحد، إن الله لا يعجل لعجلة أهل الابتلاء من الدعاة والصادقين، كلا، بل يأتي النصر في الوقت الذي يشاء ربنا، وبالقدر الذي يشاء ربنا جل وعلا، فعلينا أن نتأدب مع الله، وأن نصبر على بلاء الله، وعلى الفتن وعلى العقوبات والأذى، ونمضي ونحن نضع رءوسنا في الأرض انكساراً وذلاً لله جل وعلا، ولندع نتيجة الأمر ونهايته لمن بيده الأمر كله: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154]، أما أن نتململ ونقول: لقد دعونا فلم يستجب لنا! أو أن نقول: نحن ندعو إلى الله فلماذا نؤذى؟! فهذا من سوء الأدب مع الله جل وعلا، وإنما ينبغي أن ننطلق وأن ندع النتائج إلى الله جل جلاله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
كن -أخي الحبيب- على يقين مطلق بكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أن الله جل وعلا في النهاية لابد وحتماً أن يأخذ المجرمين والظالمين، أين فرعون؟! أين فرعون الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]؟! أين فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوقه! أين هو؟ أين قارون الذي {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص:81]!! أين النمرود بن كنعان الذي قال للخليل: أنا أحيي وأميت؟! أين هو؟! قتله الله وأهلكه بذبابة! أين عاد؟! أين ثمود أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي بل أين فرعون وهامان أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلماً وطغيان هل أبقى الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه ذو السلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:6 - 14] {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:4 - 11] استمع أيها الحبيب! {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} [البروج:12 - 19] لا يصدقون ولا يؤمنون {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:19 - 22].
أين الظالمون في كل زمان؟! أين الظالمون في كل مكان؟! {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].
أما أنت أيها الداعية المظلوم! أما أنت أيها المؤمن المظلوم! يا من ابتليت في مالك! يا من ابتليت في عرضك! يا من ابتليت في شرفك! يا من ابتليت في زوجتك وأولادك! لا تجزع ولا تفزع ولا تحزن واصبر، فوالله إن وعد الله حق.
أيها المظلوم صبراً لا تهن إن عين الله يقظى لا تنام نم قرير العين واهنأ خاطراً فعدل الله دائم بين الأنام وإن أمهل الله يوماً ظالماً فإن أخذه شديد ذو انتقام أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقني وإياكم صبراً جميلاً، وأن يثبتني وإياكم على البلاء والفتن التي تصب على رءوسنا في هذه الأيام صباً، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.
أحبتي في الله! بهذا نكون قد أنهينا بفضل الله جل وعلا الزاد الذي لابد من تحصيله للدعاة على طريق الدعوة الشاق الطويل، ورأيت بفضل الله سبحانه وتوفيقه أن أوضح لكم وأن ألخص ما ذكرناه في اللقاءات العشرة الماضية، بصورة عملية متجسدة متحركة حية للدعوة إلى الله عز وجل، وأظنكم جميعاً ستتفقون معي على أن هذه الصورة الكاملة المشرقة التي لابد أن نتأسى بها وأن نقتدي بها هي دعوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذا فلقاؤنا -إن قدر الله لنا البقاء واللقاء في المجلس المقبل سيكون بعنوان مع أعظم داعية عرفته الدنيا؛ لتبقى لنا جمعة واحدة في سلسلة خواطر الدعوة، وبعد ذلك سوف تكون الخطبة بعنوان: بشرى وأمل.
اسأل الله جل وعلا أن يبشر قلوبنا وقلوبكم بنصرة دينه، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام، اللهم أقر أعيننا بعز المسلمين، اللهم أقر أعيننا بعز المسلمين، اللهم أعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم أذل الشرك والمشركين والكفرة والملحدين برحمتك يا رب العالمين! اللهم ارزقنا الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد برحمتك يا رب العالمين! اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، كما أمركم الله جل وعلا بذلك في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.