أعتقد اعتقاداً جازماً أن الطريق إلى الأخوة قد وضح في ثنايا المحاضرة، لكنني أجمل هذا الطريق في خطوتين اثنتين لا ثالثة لهما: الخطوة الأولى: العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين، قال الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا فعلينا أن نعود إلى هذه الأخلاقيات التي ذكرتها في ثنايا المحاضرة، حتى تعود لنا الأخوة الصادقة الحقيقية، فتلتئم الصفوف، وتضمد الجراح، وتلتقي الأمة على قلب رجل واحد.
أما وحال الأمة على هذه الحالة فوالله! لا وحدة، ولا ألفة، ولا نصرة، ولا عزة، ولا تمكين، فهذه سنن ثابتة لله في كونه، فتجب العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين، وإن شئت فقل: العودة الصادقة إلى أخلاق سيد النبيين، فلقد لخصت عائشة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في كلمات قليلة فقالت: (كان خلقه القرآن) لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم قرآناً متحركاً في دنيا الناس، رأى الناس صدقه ونبله وعفته وشرفه وحياءه وكرمه وبطولته وشجاعته ورجولته وسخاءه وعبادته وخشوعه وزهده وورعه وتقواه؛ فعلم الناس يقيناً أن هذا المنهج ما أنزله الله إلا ليتحول في دنياهم إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة؛ فصدقوا هذا المنهج الرباني، وتحولوا بهذا المنهج من رعاة للغنم إلى ساسة وقادة لجميع الأمم.
أيها الأحبة! قد يكون من اليسير جداً تقديم منهج نظري في التربية والأخلاق، بل إن المنهج موجود بالفعل، ومسطر في بطون الكتب والمجلدات، ولكن هذا المنهج لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به إن لم يتحول في حياة الأمة مرة أخرى إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة، فإن البون شاسع بين منهجنا المنير، وواقعنا المرير.
الخطوة الثانية: وجوب دعوة المسلمين إلى أخلاق الدين بحكمة.
بعد أن نحول هذه الأخلاق في حياتنا إلى واقع، يجب علينا بعد ذلك أن نتحرك لدعوة المسلمين إلى هذه الأخلاق بالحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، والكلمة الرقيقة الرقراقة، وبالرفق والحلم، فهذا هو مقام دعوة الناس إلى الله في كل زمان ومكان، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
وقال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159].
أسأل الله جل وعلا أن يربط بين قلوبنا برباط الحب في الله، اللهم املأ قلوبنا بحبك وحب نبيك وحب من أحبك، اللهم املأ قلوبنا بحب أوليائك، اللهم املأ قلوبنا ببغض أعدائك، اللهم املأ قلوبنا بحب أوليائك، واملأ قلوبنا ببغض أعدائك، اللهم املأ قلوبنا بحب أوليائك، واملأ قلوبنا ببغض أعدائك.
اللهم ألف بين قلوبنا، ووحد صفوفنا، واجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم شتت صف عدونا، اللهم شتت صف عدونا، اللهم شتت صف عدونا.
اللهم اربط بين قلوبنا برباط الأخوة فيك، اللهم اربط بين قلوبنا برباط الأخوة فيك، اللهم اربط بين قلوبنا برباط الأخوة فيك؛ إنك ولي ذلك والقادر عليه.
وأرجو رجاءً من أحبابي وإخواني أن يهتموا بهذه المحاضرة، وليعاهد الله كل أخ يقدر على أن يشتري من هذه المحاضرة بالذات خمسة أشرطة، ويوزعها ابتغاء وجه الله عز وجل بين إخوانه، وأتمنى لو دخل هذا الكلام كل بيوت المسلمين، وأتمنى من الله عز وجل أن يسعد قلوبنا بتحويل هذه الكلمات الربانية والنبوية إلى واقع يتألق روعة وجلالاً، إنه على كل شيء قدير، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.