أيها المسلمون! أيها الأبناء! يا أبناء الجامعات! أيها الأحباب الأعزاء! اعلموا بأن العقوق كبيرةٌ تلي كبيرة الشرك بالله.
العقوق من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى، يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان المصطفى متكئاً فجلس ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فمازال النبي يكررها حتى قلنا: ليته سكت) وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من الكبائر شتم الرجل والديه -لا أن يقتل الرجل والديه- فقال الصحابة: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! -الصحابة في مجتمع الطهر استغربوا أن يشتم الرجل والديه- فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: نعم، يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه) إن شتمت أبا رجل شتم أباك، فتكون قد شتمت أنت أباك، وإن شتمت أمه شتم الرجل أمك، فتكون قد شتمت أمك؛ فالعقوق من أكبر الكبائر والعياذ بالله! أيها الأبناء! العقوق سبب للحرمان من الجنة وسبب للطرد من رحمة الله الذي وسعت رحمته كل شيء، ففي الحديث الذي رواه النسائي والبزار بسند جيد، وحسنه الألباني، ورواه الحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة) وتدبروا -أيها الأبناء! وتدبروا أيها الآباء! - هذا الحديث العظيم؛ فإن هؤلاء قد خابوا والله! وخسروا؛ لأنهم طردوا من رحمة الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة والديوث) والمرأة المترجلة أي: المرأة المتشبهة بالرجال، وكم من امرأة تنتسب إلى الإسلام تتشبه في زيها، وفي مشيتها، وفي كلامها، وفي طريقة معاملتها بالرجال! بل وهي تشعر بلذة حين تتشبه بالرجال، والديوث هو: الذي يقر الزنا والفسق في أهله والعياذ بالله! وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان).
أيها الأبناء! أخاطبكم بكل قلبي وكياني، أيها الأبناء! يا من منَّ الله عليكم الآن بنعمة الأمهات والآباء! وأنتم لا تدركون قدر هذه النعمة، ولن تشعروا بها إلا إذا فقدتم الوالدين، أسأل الله أن يبارك في أعمار آبائنا وفي أعمار أمهاتنا، وأن يختم لنا ولهم بصالح العمل؛ إنه على كل شيء قدير.
أيها الأبناء! عقوق الوالدين لا ينفع معه أي عمل، فإن صليت أو اجتهدت وأنت عاق لوالديك فلن ينفع مع العقوق عمل، ففي الحديث الذي رواه الإمام الطبراني وابن أبي عاصم في كتاب السنة -وحَسَّنَ الحديث الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة- من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً -أي: لا فرضاً ولا نفلاً ولا عملاً-: العاق لوالديه، والمنان، والمكذب بالقدر).
أيها الأحباء! أيها الأعزاء! أختم بهذه الكلمات؛ لأعرج على بقية عناصر الموضوع، فأقول: إن العقوق دين لابد من قضائه في الدنيا قبل الآخرة، فكما تدين تدان، فإن بذلت البر لوالديك سَخَّرَ الله أبناءك لبرك، وإن عققت والديك سَلَّط الله أبناءك لعقوقك، وستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخرة، ففي الحديث الذي رواه الطبراني والبخاري في التاريخ وصححه الألباني من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين).
أي: الظلم، فمهما كنت قادراً قوياً واستخدمت وجاهتك أو منصبك أو مالك في ظلم العباد؛ فاعلم بأن الله سيسلط عليك من يظلمك.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندم تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم عقوق الوالدين يعجل الله لك بسببه عقوق أبنائك في الدنيا، وتدبر معي والدي الكريم وأخي الحبيب: هذا ابن عاق يعيش معه والده في بيته، فكبر الوالد، وانحنى ظهره، وسال لعابه، واختلت أعصابه؛ فاشمأزت زوجة الابن من والد زوجها -وكم من أبناء يرضون الزوجات على حساب طاعة الآباء والأمهات، فاتق الله! وإياك أن تقدم امرأتك على أمك أو أبيك، فالمرأة لها حقوق، والأم لها حقوق، والأب له حقوق، فإياك وأن تقدم حق الزوجة على حق أبيك أو على حق أمك، فالحق الأول للأمهات، والحق الثاني للآباء، فلما اشمأزت هذه الزوجة من والد زوجها بدأت تعلم الأبناء هذا الشعور من جدهم، فأراد الولد أن يطرد أباه من البيت، فَرَقَّ طفلٌ صغير في البيت لجده، فقال لأبيه: لماذا تطرد جدنا من بيتنا يا أبت؟! فقال: حتى لا تتأففون منه، فبكى الطفل لجده، وقال: حسناً يا أبت! سوف نصنع بك ذلك غداً إن شاء الله!! إنه دَين والله! لابد من قضائه.
وهذا ابن آخر يقوم ويصفع والده على وجهه، فيبكي الوالد ويرتفع بكاؤه، فيتألم الناس لبكاء هذا الشيخ الكبير، وينقض مجموعة من الناس على هذا الابن العاق ليضربوه، فيشير إليهم الوالد ويقول لهم: دعوه، ثم بكى وقال: والله! إني منذ عشرين سنة وفي نفس هذا المكان صفعت أبي على وجهه!! فالعقوق دَين لابد من قضائه.
وهذا ابن ثالث يجر أباه من رجليه ليطرده خارج بيته، وما أن وصل الولد بأبيه حتى الباب، وإذا بالوالد يبكي ويقول لولده: كفى يا بني! كفى يا بني! إلى الباب فقط، إلى الباب فقط، فقال: لا، بل إلى الشارع، قال: والله! ما جررت أبي من رجليه إلا إلى الباب فقط!! فكما تدين تدان.
أيها الأخ الحبيب! اذهب اليوم إلى أبيك فقبل رجله، وارجع اليوم إلى أمك فقبل رجليها؛ فثمَّ الجنة.
العقوق خطره عظيم، وما أشقاها والله! من حياة! إنها حياة العقوق، وما أطيبها وأروحها وأسعدها وألذها من حياة! ألا وهى حياة البر، وهذا عنصرنا الثالث.