ونحن في هذه الليلة مع قصة من القصص التي حدثت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يرويها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، يقول: (بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن بـ اليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم -في بضع وخمسين رجلاً من قومه- فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي في الحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا -لأهل السفينة-: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا على حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: آلحبشية هذه، البحرية هذه -التي ركبت البحر-؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت، وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في أرض البعداء البضغاء بـ الحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأساله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا نبي الله! إن عمر قال كذا وكذا، قال: فما قلتِ له؟ قالت: قلت له كذا وكذا، قال: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم) قال أبو بردة: [فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث منها].
هذا الحديث متفق على صحته؛ رواه الإمامان أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى، والإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحيهما.