لو جئنا الآن إلى مسألة الاستواء، فقلنا: إن الله سبحانه وتعالى قد أثبت الاستواء لنفسه، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وأثبت الاستواء للمخلوقين فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:13] {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44] فهل إثبات هذه وهذا يستلزم تشبيهاً؟ لا، فلماذا يا أيها الأشاعرة تفرون من إثبات الاستواء، وتجعلون في كتبكم وتفاسيركم استوى أي: استولى، وترفضون إثبات الاستواء لله لماذا؟ فسروا لنا لماذا وهذه كلها أمثلة تدل على أنه يمكن الإثبات بغير تشبيه بوضوح جداً.
فتجرأ هؤلاء ممن يدعون الإسلام واتباع الحق والدليل على نفي الاستواء عن الله سبحانه وتعالى بأدلة منطقية، وكلام فلسفي في الاستواء فماذا يقولون؟ يقولون: لو كان مستوياً على العرش لكان مشابهاً للخلق، وبما أنه غير مشابه للخلق إذاً هو غير مستو على العرش.
وهذا كلام فلسفي من علم الكلام من اليونان لا من القرآن، إذا أثبتنا أنه مستو على العرش، يعني جعلناه مشابهاً للخلق، وبما أنه غير مشابه للخلق إذاً هو غير مستوٍ على العرش، مقدمات ونتائج.
الله سبحانه وتعالى ذكر استواءه على العرش صفة من صفاته في سبع آيات في آيات من القرآن الكريم: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الأعراف:54] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} [يونس:3] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [الرعد:2] {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان:59] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة:4] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [الحديد:4] كل هذه الآيات تثبت استواءه ثم تأتون أنتم وتقولون: إنه لم يستو وأننا لا نثبت له صفة الاستواء، وإنه لا بد أن ننفيها! ثم نؤولها ونأتي ببديل عنها، فدخلوا في فتنة التأويل، قالوا: إذا أثبتنا الاستواء شبهناه بخلقه، ما هو الحل؟ قالوا: ننفي الاستواء، وماذا تفعلون بدلاً منه؟ قالوا: نؤول الاستواء، ننفي حقيقته نقول: الحقيقة غير مرادة وإلا شبهناه، إذاً فما هو المخرج، قالوا: نؤوله.
هنا وقف الشيخ رحمه الله في رسالته وقفة مع التأويل واضعاً استمدادها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم، فإنه قد تأثر بهما على ما سنورد في ترجمته إن شاء الله.