وبالنسبة للرجل الثاني: (فانطلقنا فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد) وجاء في رواية: (فإذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب من حديد، فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه من اليمين إلى القفا، والعين من اليمين إلى القفا، والمنخر من اليمين إلى القفا) فالذي يتولى التعذيب هو ملك، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ذلك، ويلتئم الشق الأول -الذي في الشق الأيمن- ويعود ليشقه ويشرشره مرة أخرى.
فهذا هو الكذَّاب الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، والآن مع وجود البث الفضائي، أصبح انتشار الكذبة في الآفاق من أسهل ما يكون، فخذ العبرة، ولذلك قال ابن العربي رحمه الله: "شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة في محل المعصية، وعلى هذا تجري العقوبات في الآخرة بخلاف الدنيا".
والاختلاف في حال هذا الرجل بحسب اختلاف حاله، فقد جاء في رواية: أنه مضطجع، وفي رواية: أنه جالس، وفي رواية: أنه قائم.
فهذا عذاب الكذابين الذين يكذبون الكذبات التي تبلغ الآفاق وتنتشر في العالم.
والأفق هو: الناحية في السماء، والآفاق هي: النواحي.
ولذلك فإن على الإنسان أن يحذر الكذب وكذا نشره في أي وسيلةٍ ينتشر فيها الكذب، وكلما كانت الوسيلة أشد انتشاراً كان العذاب أشد عليه.
وكذلك فإن من أعظم الكذب: الكذب في المنام، بأن يري الرجل عينيه ما لم تريا، فهذا يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل لأن العقد بين الشعيرتين أمر محال، فيكلف بمحال، فيكون عليه عذاب نفسي وجسدي، لماذا ادعى أنه رأى الرؤيا الفلانية وهو لم يرها؟ وبعض الناس ربما يفعلها من باب الدعوة بزعمه! يقول: هذا لا يفيد إلا أن أخترع له رؤيا؟! أقول: رأيتك في القبر وكذا وكذا وكذا! فهذا حرام ولا يجوز، والغاية لا تبرر الوسيلة، يجب أن تكون الوسيلة شرعية، كما أن الغاية شرعية، أما أن نسلك وسيلة غير شرعية لتحقيق غاية شرعية، فليس هذا من هدي الإسلام.
وهنا يأتي سؤال وهو: انظر إلى التقنية الحديثة ماذا تفعل؟ من الأبواب العظيمة التي فُتحت في هذا الزمان باب أتى به هذا الحاسوب في العالم وهو شبكة الإنترنت، فأحد الناس إذا قذف شخصاً على الشبكة كأن أرسل باتهامه وقذفه ربما إلى آلاف الأشخاص، الآن هذا الرجل كيف تكون عقوبته؟ لنا أن نتصور أن الكذبة التي تبلغ الآفاق بالوسائل العصرية من عدة جهات وبعدة صور وأشكال، فبعضهم ربما يستخدم هذه التقنية الحديثة في نشر الشر، والكذب، وظلم الأبرياء، وقذف المسلمين والمسلمات ونحو ذلك، ثم بعد ذلك إذا تاب يقول: ماذا أفعل؟