مؤلفات الطبري كثيرة جداً، ومن المؤلفات التي عرفناها جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المعروف بـ تفسير الطبري وقد طبع مرات عديدة، وتاريخ الأمم والملوك المعروف بـ تاريخ الطبري، واختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام، والخفيف في أحكام شرائع الإسلام في الفقه وهو مختصر كتاب: لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام المعروف بـ اختلاف الفقهاء في علم الخلاف، وهو كتاب واسع اختصره في كتاب الخفيف، فإذاً: اللطيف والخفيف هما كتابان للطبري في الفقه.
وكتاب تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار هذا كتاب في الحديث طبع منه أربعة مجلدات وبقي منه بقايا وهو من الكتب العظيمة.
كذلك ألف كتاب آداب القضاة، وآداب النفوس، والقراءات وتنزيل القرآن، والبصير في معالم الدين، وفضائل علي، وفضائل أبي بكر، وفضائل عمر، وفضائل العباس، وكتاب في تعبير عبارة رؤية في الحديث، ومختصر مناسك الحج، ومختصر الفرائض، والموجز في الأصول، والرمي بالنشاب حتى الرمي بالقوس وطريقة الرمي يقال: إنه للطبري رحمه الله، والرسالة في أصول الفقه، والمسترشد وكتاب اختيار من أقاويل الفقهاء، هذه بعض الكتب التي ألفها صاحب القلم السيال والنفس الطويل ابن جرير رحمه الله تعالى.
يقول الخطيب البغدادي راوياً: إن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة، وإذا ضربت أربعين سنة في إنتاج كل يوم أربعين ورقة يكون الناتج ستمائة ألف ورقة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمد في عمره ستة وثمانين سنة، اطرح منها الطفولة والجمع والترحال والرحلات إلى أن استقر بـ بغداد أربعين سنة هذه فترة تدريس وتصنيف، كل يوم يؤلف أربعين ورقة هذه ستمائة ألف ورقة.
يقول ياقوت الحموي: وحدث عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف بكتاب الصلة وهو كتاب وصل به تاريخ ابن جرير -أي: كمل مما انتهى إليه ابن جرير في التاريخ - أن قوماً من تلاميذ ابن جرير حصلوا أيام حياته منذ بلغ الحلم إلى أن توفي وهو ابن ست وثمانين، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها على كل يوم أربع عشرة ورقة، وهذا شيء لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق.
تصنيف الطبري ليس كما يقولون كلام حشو، هذا لا يأتي إلا بعد جمع غزير، ما كان إنتاج الطبري بالغث.
الآن تجد بعض المُحْدَثِين الجدد يؤلف المجلدات، لكن إذا نظرت في الزبدة أو العلم الحقيقي إذا أخرجت العبارات الإنشائية والكلام الذي فيه ما فيه، يمكن أن يصفى لك مختصر كتاب فيه أوراق.
أما ابن جرير رحمه الله فكان كتابه زبداً، ليس فيه حشو، كان علمه المصنف في الكتب سميناً محيطاً بموضوع البحث.
وبعض الكتب عادت عليها عواجل الدهر وحوادث الأيام، ونكبات التاريخ، واحترق ما احترق، وتلف ما تلف، وغرق ما غرق، وضاع ما ضاع، فقد القسم الأكبر، وما وصلنا الآن هو الأقل مما تركه ابن جرير رحمه الله، لكن يكفي تفسير الطبري ثلاثين مجلداً، وتاريخ الأمم والملوك ثمانية مجلدات، وقطعتين من اختلاف الفقهاء، لكن -مع الأسف- المستشرقين هم الذين اهتموا بـ تاريخ الطبري وبمؤلفاته، تهذيب الآثار فيها مسند عمر ومسند علي ومسند عبد الله بن عباس وله فيها مسانيد أخرى للصحابة كثيرة.
ولنعلم أن ابن جرير رحمه الله لم يكن يحبس نفسه بين أربعة جدران، لا يعلم عن العالم، ولا يساهم في شيء، لا.
كان محتكاً بالحياة والمجتمع والأمة والأحداث، ولم يكن في برج عاجٍ فقط يصنف، كان له طلاب ثم هذه الرحلة الطويلة التي رحلها أكسبته خبرة وتجارب في الناس والأحوال والأحداث.
رزق رحمه الله بطلاب وتلامذة أقوياء، كان يملي عليهم ويحدثهم ويقرئ القرآن والقراءات، ويصلي إمام بالجماعة، ويقصده الناس لسماع قراءته وتجويده، والصلاة خلفه، فالرجل لم يكن مثل بعض الناس الآن لا تعرف عنهم شيئاً ألبتة إلا من كتبهم، إنما لا تاريخ، لا سيرة، لا حياء، لا إيمان، لا دروس، لا خطابة، ولا مساهمة في حل مشكلات الناس، لم يكن الطبري رحمه الله كذلك، كان إماماً مدرساً مصنفاً مناظراً له أتباع، أخذوا علمه، وحملوا فقهه، ونشروا مذهبه، وكان يحنو على تلاميذه وطلابه ويعاملهم معاملة كريمة.