لم يكتف الطبري رحمه الله بهذه الرحلة، وإنما رحل إلى الشام وكان فيها من أهل العلم من فيها، وذهب إلى السواحل والثغور من مدن الأجنان للحروب التي كانت مع الدولة البيزنطية، وأخذ القرآن برواية الشاميين، عن العباس بن الوليد المقرئ البيروتي وأقام بـ بيروت، حيث كانت بيروت حاضرة من حواضر العلم، ويكفي أنه كان يوجد فيها الأوزاعي التي فيها إلى الآن حي يعرف بحي الأوزاعي نسبة إلى ذلك العالم الأوزاعي الذي كان في بيروت، وهو من كبار علماء الشام رحمه الله تعالى.
فجلس في بيروت فترة من الزمن، ثم ذهب بعد ذلك إلى مصر، وكان مشتاقاً للقاء علمائها، وكان فيها من العلماء كبار، فقد أخذ فيها مذهب مالك على أبي محمد عبد الله بن وهب، وأخذ فيها على يونس بن عبد الأعلى، وأخذ فيها على محمد وعبد الرحمن وسعد أبناء عبد الحكم، ودرس فيها فقه الشافعي على الربيع بن سليمان المرادي، وإسماعيل بن يحيى المزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، بين مذهبي مالك والشافعي أقام في مصر فترة ثم رجع إلى الشام.
أقام بـ الشام فترة ثم رجع إلى مصر، يلحق بالعلماء قبل أن يموتوا، يحصل أشياء، ثم يرجع يقضي ما فاته في البلد الأول وهكذا.
ذهب إلى مصر مرة ثانية سنة (256هـ) والتقى بـ يونس بن عبد الأعلى الصدفي، وأخذ عنه قراءة حمزة وورش، وكذلك فإنه درس بـ مصر العروض وأصبح عروضياً، يعرف بحور الشعر وأوزانه، فكان لا بد من التعامل باللغة العربية والشواهد من أشعار العرب، خصوصاً في التفسير، حيث أن هذا القرآن نزل بلغة العرب، فتعرف أي معنى استعمله العرب لهذه الكلمات.
بعد ذلك دب فيه الحنين إلى وطنه، فترك مصر، ورجع إلى وطنه.