حث ابن القيم على طلب العلم

كذلك مثلاً: كان يبين فضل العلم، ويريد أن يقول للناس: يأ يها الناس! اهتموا بالعلم، ولا تهتموا بجمع الأموال، ولا تشغلكم الدنيا عن العلم، فمثلاً يقول: العلم أفضل من المال لعدة وجوه: أولاً: أن العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الملوك والأغنياء.

ثانياً: أن العلم يحرس صاحبه، وصاحب المال يحرس ماله، فالذي عنده مال يسهر على حراسة المال، لكن العلم هو الذي يحرس صاحبه من الوقوع في الضلال، والزيغ والبدع وهكذا.

ثالثاً: أن المال تذهبه النفقات، والعلم يزكو مع الإنفاق، ويزداد ويرسخ.

رابعاً: أن صاحب المال إذا مات يفارقه ماله، والعالم يدخل معه علمه في قبره.

خامساً: أن العلم حاكم على المال، والمال لا يحكم على العلم، فالعلم يحكم في المال الزكاة تحكم في العلم المواريث تحكم في العلم النذور تحكم في العلم وهكذا، لكن المال لا يحكم في العلم.

سادساً: أن المال يحصل للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن.

سابعاً: أن العالم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم، وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة العالم الحقيقي لا يقف على أبواب السلاطين، جاء سليمان بن عبد الملك إلى مكة ليحج، فسأل هو وولداه على مسألة في الحج، ودخل على عطاء بن أبي رباح الرجل الأسود الأعمى الأفطس الأعرج المشلول -دخل عليه سليمان بن عبد الملك، فوجد عطاء يصلي، وأطال في الصلاة ولم يعبر سليمان الخليفة، وانتظر سليمان حتى فرغ عطاء من الصلاة، فسأله، فما التفت إليه عطاء وإنما أجابه على السؤال ووجهه إلى القبلة، فلما خرج سليمان قال لأبنائه: يا بني! اطلبوا العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود، هذا عطاء بن أبي رباح العبد الأسود لما كان صغيراً وجد مشوهاً، وكان فيه هذه العيوب الخلقية، فقالت له أمه- والأم تحب الولد-: يا بني! اطلب العلم، فإن شكلك ومنظرك لا يمكن أن ينظر إليك الناس؛ لكن اطلب العلم، فطلب العلم من صغره، فصار قاضي مكة، وكان يأتي إليه الأجلاء يطلبون عنده العلم، وكان من خلقته أنه مرة كان يدعو الله، ويقول: اللهم اعتق رقبتي من النار، فمرت به عجوز، فقالت: وأي رقبة لك يا بني، بمعنى أن رأسه داخل في جسده، هذا الرجل أصبح قاضي مكة، إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين.

ثامناً: المال يدعو إلى الطغيان والفخر، والعلم يدعو إلى التواضع والعبودية.

تاسعاً: غنى العلم أجل من غنى المال غنى المال أمر خارجي عن الإنسان لو ذهب في ليلة لأصبح الإنسان فقيراً، لكن لم نر أن عالماً نام ثم استيقظ في الصباح ووجد نفسه ليس عنده علم، لكن يمكن أن تجد شخصاً مليونيراً نام في الليل، ورأى في البورصة تحققت أحلامه فيقوم اليوم الثاني وعليه ديون الدنيا.

إذن عندما يأتي أحد الناس ويقول: هذه أوجه التفاضل بين العلم والمال، فالعاقل يقتنع حقيقةً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015