وحث الله عباده الرجال على الاقتصار على امرأة واحدة عند الخوف من الظلم، أما عند التحري في العدل والرغبة فيه فإنه أباح لهم إلى أربع من النساء، وأمر بإيتاء النساء صدقاتهن، وأن المهر يصلح بالقليل والكثير والأموال والمنافع، وبين أن من عنده يتيمة وهو وليها ألا يظلمها، وأنه إذا رغب في نكاحها أن يقسط لها في مهرها -أي: يعدل فيه- فلا ينقصها عما تستحقه، وعما يكون لغيرها في مثل حالها.
وكذلك لا يعضلها فيحبسها عن الرجال الأكفاء، وأن المرأة الرشيدة إذا طابت نفسها له بشيء من صداقها فله أكله بلا حرج إن لم يكن بسبب حبسه لها وعضله؛ لأن عضلها ظلم، فإن بعض الرجال الظلمة يفعلونه لكي تفتدي منه بما أعطاها أولاً أو ببعضه، فيكون قد أتى إثماً عظيماً، وقد بين تعالى أن الحكمة في ذلك أنه كيف يأخذه وقد استوفى المنفعة؟ يتزوج المرأة ويدخل بها، وتكون ثيباً بعد أن كانت بكراً بسبب دخوله، ثم يريد أن يضيق عليها لتطلب هي الخلع حتى يأخذ المهر، وليس له فيها حاجة وإنما يريد أن يأتي الخلع منها هي، هو في باطن الحال يريد الطلاق لكن لكي لا يدفع شيئاً، ولكي يسترجع ما فاته يريد أن يأتي الخلع منها لكي تعطيه المال الذي أخذته منه أولاً، أخذته منه مقابل أي شيء؟ الميثاق الغليظ، الميثاق الغليظ المؤكد: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء:21] فكيف يسترجع المهر الذي أعطاها وقد أتاها وصارت ثيباً بعد أن كانت بكراً، أو صارت زوجةً ثانيةً بعد أن كانت لقبله لمن قبله؟ وهكذا إذاً: الميثاق الغليظ يجب احترامه؛ وهو التزام الزواج المتضمن القيام بجميع الحقوق التي أولها إيفاء الصداق، وإنما يدفع الإنسان نصف الصداق إذا عفا الطرف الآخر -الزوجة- عن النصف، وكذلك إذا طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهراً، فدلت الآيات على أن الصداق ملك للزوجة وحق لها، وأنه يتقرر كله بالدخول، وكذا بالموت لتمام وقته، فلو أنه كان موظفاً في شركة فعقد على امرأة ولم يدخل بها، ثم مات في حادث سيارة -مثلاً- فإن للمرأة الإرث من زوجها بلا شك، وعليها العدة لأجل الميثاق الغليظ المؤكد وهو عقد النكاح.