الإعراض الناقض للإسلام

ما هو الإعراض الناقض للإسلام؟ هو إعراض العقل عن الإيمان، إما أن يعرض إعراضاً تاماً عن تعلم أصول الدين مع قدرته على ذلك، يقول: لا أريد أن أتعلم الدين ولا أريد أن تسمعني آية، ولا يريد أن يتعلم درساً واحداً، الإعراض عن أصل الإيمان إعراضاً تاماً عن تعلم أصوله مع القدرة، أو عدم قبولها والانقياد لها، يقول: لا أنقاد لحكم شرعي أبداً.

سواءً قاله بلسان الحال أو بلسان المقال، أو يعرض عن العمل تماماً، كأن يقول: أنا لا أعمل شيئاً البتة، وهذا الذي يسمونه كفر التولي وترك العمل بالكلية؛ لأننا نعلم -أيها الإخوة- أن مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان: أنه قول القلب -وهو المعرفة- وقول اللسان وعمل القلب وهو القبول والتسليم، وعمل الجوارح.

إذاً: أربعة أشياء يتكون منها حقيقة الإيمان، قول القلب: وهو المعرفة والتصديق، وقول اللسان: وهو نطق الشهادتين، وعمل القلب: وهو القبول والتسليم والاستسلام والانقياد، وعمل الجوارح: وهو التطبيق العملي للعبادات وما شابه ذلك.

فإذاً: لو أن إنساناً أعرض عن هذا بالكلية، عن أي واحد منها يكفي أن يعرض عنه بالكلية يكفر وينقض إيمانه.

قال الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر".

وقال حنبل: حدثنا الحميدي وأخبرت أن أناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت ويصلي مستدبراً القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً، إذا عُلم أن تركه ذلك فيه إيمان إذ كان مقراً باستقبال القبلة -الآن هذا الزعم- فقلت: هذا الكفر الصراح، هذا الكفر الصراح.

لأنه لا يعمل شيئاً، تولى عن العمل بالكلية، مثل الذين يعيشون في الخارج مسلمون بالاسم فقط لا يعرفون مسجداً ولا قبلة ولا صلاة ولا يزكون ولا يصومون ولذلك رأينا في الإنترنت أن أحدهم يقول: أنا مسلم بالاسم فقط.

فهذا الذي يقول: أنا مسلم بالاسم كافر، لماذا؟ لأنه تولى عن الدين لا يعمل بشيء منه أبداً، لا يعرف أي عبادة، لا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج، فهذا الذي يسمي نفسه مسلماً بالاسم فقط هذا إنسان متولٍ عن العمل، وهذا إنسان كافر، وقد قال الإمام أبو ثور رحمه الله لما سئل عن الإيمان: هل يزيد وينقص؟ فقال: فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان فهؤلاء على مذهب المرجئة، ونحن نقول: الذي لا يعمل عمل الجوارح أبداً ليس بمسلم؛ لأن هذا من أنواع الإعراض الذي ذكر الله عز وجل في القرآن عند تكفير المعرضين، ونحن لا نقول: أعرض عن شيء واحد، أعرض عن صيام يوم من رمضان فلم يصمه لا.

إنما أعرض عن العمل بالكلية، ولا يعمل شيئاً، هذا إنسان غير مسلم وإن ادعى الإسلام.

فيقول: أما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من عباده لما قال لهم: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] أبو ثور ذكي يعرف كيف يناقش، يقول: يقال للذين يقولون العمل ليس شرطاً في الإيمان، ماذا أراد الله من عباده لما قال لهم: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] الإقرار فقط أم الإقرار والعمل، ماذا؟ فإن قالوا: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل فقد كفروا، فإن قالوا: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعاً فلمَ زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر وقد أرادهما جميعاً؟؟ أرأيتم لو أن رجلاً قال: أعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به -انظر إلى النقاش- لو أن رجلاً قال: أنا أعمل جميع ما أمر الله لكن لا أقر به، مثل ذاك الذي يقول: أنا أصلي احتياطاً أو يقول: يمكن يمكن.

فهذا قال: أنا أعمل كل شيء لكن لا أقر به، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا يكون مؤمناً؛ لأن أعماله ليس لها أساس، والعمل بدون إقرار عمل باطل، قيل لهم: فإن أقر بجميع ما أمر الله به وقال: لا أعمل منه شيئاً.

أيكون مؤمناً؟ انظروا ولاحظوا! الله أراد إقراراً وعملاً، يقول: يقر أن الله أوجب هذا وحرم هذا، ثم أعمل.

فإن قالوا: إنه أراد الأمرين جميعاً فيقال: لو أن رجلاً قال: لا أقر لكن أعمل كل شيء.

يقال له: هذا كافر.

وإذا قال: أقر لكن لا أعمل شيئاً أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: نعم.

قيل لهم: فما الفرق وقد زعمتم أن الله أراد الأمرين جميعاً؟! ومثل الأعمال في الإيمان كمثل القلب في الجسم لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو الجسم الحي لا قلب له، ولا ذو القلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى متصلان، فلا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقل، ومثل ذلك العلم الظاهر والباطن، أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فمثل العلم من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان، لا يصح الكلام إلا بهما، تخيل لو أن رجلاً ليس له شفتين عنده لسان وليس عنده شفتين، لا يستطيع الكلام، لأنه بدون شفتين! وكذلك لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، وكذلك سقوط العمل بطلان الإيمان احفظوا هذا المثل: (العمل مع الإيمان مثل الشفتين مع اللسان).

فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئاً من أمور الدين، من الصلاة والزكاة والصيام والحج ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، أي محرم يتاح له لا يقصر فيه -هذا كلام ابن تيمية - مثل الصلاة بغير وضوء وإلى غير القبلة ونكاح الأمهات، وهو مع ذلك مؤمن في الباطن.

هذا الكلام يتصور؟ أبداً.

وسئل الشوكاني رحمه الله: ما حكم أعراب البادية الذين لا يفعلون شيئاً من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادتين هل هم كفار أم لا؟ وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا؟ فقال: من كان تاركاً لأركان الإسلام وجميع فرائضه ورافضاً لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر حلال الدم والمال.

إذاً الخلاصة التي نستنتجها مما سبق: أولاً: أن وجود جنس العمل شرط لصحة الإيمان، وإذا لم يوجد العمل معناه لم يوجد الإيمان، ويكون صاحبه معرضاً ناقضاً لأصل الإيمان.

ثانياً: أن الكلام عن مسألة ترك العمل بالكلية متعلق بكلام السلف عن الإيمان أنه قول وعمل لا يغني أحدهما عن الآخر.

ثالثاً: أن هذا دليل على ارتباط الظاهر بالباطن والباطن بالظاهر، وأنه لا يوجد باطن صحيح بدون ظاهر صحيح، كما أنه لا يوجد ظاهر صحيح ومقبول عند الله إلا إذا كان يوجد باطن صحيح.

انظر الذي يقول: الذي لا يعمل أبداً هذا دليل على أنه ليس في قلبه إيمان بالله، الذي لا يعمل شيئاً من الدين ماذا يوجد في قلبه؟ لو كان في قلبه إيمان لظهر في التطبيق، ولو كان التطبيق ناقصاً لكان هناك شيء اسمه عمل، أما إذا لم يكن هناك عمل بالكلية فدليل أن داخل القلب لا يوجد فيه شيء بالكلية، وإنما هو ادعاء كاذب.

إذاً: تصور الآن ما ينتج عن القول بأن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي، وأن الكفر هو التكذيب والجحود فقط، وهذه مصيبة المرجئة، وهذه معركتنا معهم، يقولون: الإيمان هو التصديق، والكفر هو الجحود والتكذيب.

وما حال المعرض عن العمل بالكلية وما شابه ذلك؟ إذاً: هنا يتبين الفرق بين مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب المرجئة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015