الحرب كانت بين الروم والمسلمين يوماً، وكان من النصارى رجلٌ مبارزٌ قال: يا معشر العرب! ليخرج منكم عشرون فارساً أبارزهم، فهابه الناس، وكان في عسكر المسلمين رجلٌ يعرف بـ ابن الجزري معروف بالنجدة، موصوفٌ بالشجاعة، فقال: أنا أخرج إليه وأستعين بالله عليه، وأعطي فرساً وسلاحاً فقال: لا أريد -أي: إلا ما معه- فانحدر بعد أن ودعه الرشيد ودعا له، ونزل معه عشرون فارساً ليودعوه، فلما صار في بطن الوادي قال الرومي: غدرتم يا مسلمون! طلبت عشرين فنزل واحدٌ وعشرون، فقالوا: ما يبارزك غير واحد، ونحن مودعوه وراجعون، فقال العلج: سألتك بالله أنت ابن الجزري؟ قال: نعم.
قال: كفء كريم، فرجع المسلمون، وتطاعنا حتى كلاَّ، واشتد الحر عليهما، والمسلمون والمشركون ينظرون إليهما فولى ابن الجزري كأنه منهزم فعطعط المشركون -أي: صاحوا إعجاباً- وضج المسلمون والعلج في أثره، ثم عطف ابن الجزري على العلج فجأة فاختطفه من سرجه، وما أوصله إلى الأرض إلا بعد أن حز رأسه عن جسده، فكانت مكيدة: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} [الأنفال:16] فكبر المسلمون تكبيرة واحدة، وزجوا في القتال ففتح الله عليهم.