معرفة المنهج الذي ينبغي طلبه

أولاً: معرفة ما هو العلم الذي ينبغي طلبه؟ قال ابن رجب رحمه الله في تعريف العلم الذي يطلب، في شرح حديث: (إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) قال: فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق لذلك؛ إن كان من الأمور العلمية -لأن كثيراً من الأحاديث تضمنت أموراً علمية اعتقادية، وليست أعمال جوارح- وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيع من الأوامر، واجتناب ما يُنهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك.

ثم قال رحمه الله تعالى: أما فقهاء أهل الحديث العاملون به، فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله عز وجل، وما يفسره من السنة الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها، وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك.

وهذا هو طريق الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين، وفي معرفة هذا شُغل شاغل عن التشاغل بما أُحدث من الرأي مما لا ينتفع به:

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خُلف فيه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذراً من التأويل والتشبيه

واعلموا -رحمكم الله- أن من العلم ما يكون من صلب العلم، ومنه ما يكون من ملح العلم وأطرافه، ومنه ما ليس بعلم أصلاً، فالذي شرحناه قبل قليل هو من كلام ابن رجب رحمه الله هو طلب العلم، وأما ملح العلم فسيأتي أشياء منه، ولكن في العموم ليس هو من الأشياء الأساسية، وإنما أطراف وفوائد ونكت، فهذا يكون في الدرجة الثانية، ومنه ما ليس بعلم أصلاً، كالسعي لمعرفة أحكام العبادات التي لم يخبر الشرع عن الحكمة فيها، مثل أن يقول الإنسان: أريد أن أبحث لماذا عدد ركعات صلاة الظهر أربع ركعات؟! وعدد ركعات صلاة المغرب ثلاث ركعات؟! وعدد ركعات صلاة الفجر ركعتين؟! ما هي الحكمة؟! أو لماذا اختص الصيام بالنهار دون الليل؟! لماذا اختص الحج بالرمي والوقوف بـ عرفة ومزدلفة؟! وقد يزعم بعض الناس حكماً لا تكون من مقاصد الشارع أصلاً.

قال الشاطبي رحمه الله مضيفاً -أيضاً- في هذا التقسيم في الأشياء التي ليست من العلم، أو أن الإنشغال ببعض الملح يصيرها أشياء غير نافعة، فتفوت على الإنسان خيراً كثيراً، وأشياء من الأساسيات، فمما ضربه رحمه الله تعالى من الأمثلة جمع طرق للحديث التي لا داعي لها.

فحديث متواتر يأتي فيجمع طرقه لأي شيء وقد بين العلماء أنه متواتر وذكروا طرقه، كما قال حمزة الكناني: خرَّجتُ حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من نحو مائتي طريق، فداخلني في ذلك الفرح، فنمت فرأيت في النوم يحيى بن معين، فسألته عن هذا؟ ففكر ساعة ثم أجابني، وقال: أظن أنه يدخل تحت قول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1].

نحن لا نعتمد على الرؤى في العلم فهي ليست علماً، ولا يجوز الحكم على الأشياء من خلال الرؤى والمنامات، لكن الرؤى إذا وافقت الكتاب والسنة فيستأنس بها، فمن الأشياء التي ليست بعلم أصلاً، ما يراه الإنسان في الرؤى والمنامات، ولذلك الصوفية من ضلالهم أنهم يعتمدون على الرؤى والمنامات في إثبات العلم، يقولون: هذا علم أصيل، رأيت في المنام حدثني قلبي عن ربي، وهكذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015