تعظيم الصحابة ومحبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفتح:8 - 9] وهكذا أمرنا الله سبحانه وتعالى بتعظيم نبينا صلى الله عليه وسلم وتضمنت الشهادة التي يدخل بها الإنسان الإسلام توحيدين: الأول: توحيد العبادة لله سبحانه وتعالى.

والثاني: توحيد الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن نؤمن به وأن نتبعه وأن نوقره وأن ننصره صلى الله عليه وسلم فحرمته عظيمة، ومحبته من أركان الدين، وهذه المحبة التي تسابق الصحابة لبذلها لنبيهم حتى قال علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حبه: [كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ] وخبيب رضي الله عنه لما سئل: هل يسرك أن محمداً عندنا الآن مكانك وأنت في أهلك -وكان مصلوباً أمامهم ليقتلوه- قال: [والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي] فشهد أبو سفيان بعد ذلك عند ملك الروم بقوله: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمدا، وهكذا بذلوا النفوس لحمايته، وكانوا يتسابقون للموت بين يديه كما مات منهم تسعة متتاليين في غزوة أحد، وهكذا حكموه في أنفسهم وأموالهم، وقالوا: هذه أموالنا بين يديك، فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا البحر لخضناه نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، فنشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله، كيف كانت محبتهم رضوان الله عليهم لنبيهم؟ قدموه على كل أحدٍ من البشر وكان الواحد يقول: فداك أبي وأمي.

إن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم -أيها الإخوة- شيء عظيم، وخصوصاً عندما نثني عليه ونصلي إذا ذكر؛ لأن البخيل من ذكر عنده النبي عليه الصلاة والسلام فلم يصلِّ عليه، والإكثار من ذكره والتأدب معه عند ذكره، وحتى في مسجده وعند قبره وتوقير حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما كان المحدثون يجلسون في مجالس الحديث على وضوء تامٍ ونظافة وطهارة خشعاً؛ لأجل التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومر مالك بن أنس على أبي حازم وهو يحدث فجازه وقال: إني لم أجد موضعاً أجلس فيه، فكرهت أن آخذ الحديث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم.

وكان محمد بن سيرين يتحدث فيضحك فإذا جاء الحديث خشع.

وكان مجلس عبد الرحمن بن مهدي مملوءاً بالوقار، لا يبرى فيه قلم، ولا يبتسم فيه أحدٌ، ولا يتكلم أحدٌ؛ لأجل الحديث الذي يقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015