تقسيم آخر: الناس أنواع في مسألة الغضب للرب والغضب للنفس، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والناس في هذا المقام أربعة أقسام: منهم من يغضب لربه لا لنفسه وهذا أعلى نوع، ومنهم بالعكس يغضب لنفسه ولا يغضب لربه، ومنهم من يغضب لهما -يغضب لله ويغضب لنفسه- ومنهم الذي ما من ورائه رجاء، لا يغضب لنفسه ولا لربه.
قال: فأعلاهم حال النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه، يصبرون على أذى الناس ويجاهدون في سبيل الله، وينتقمون لله لا لنفوسهم، ويعاقبون لله لا لأشخاصهم، وهكذا في جهاد الكفار وإقامة الحدود.
قال شيخ الإسلام: وأدناهم عكس هؤلاء، يغضبون وينتقمون ويعاقبون لنفوسهم، إذا أخذت ريالاً من دراهمه ثارت ثورته، إذا آذيت ولده ثارت ثورته، ولكن إذا انتهكت محارم الله؟ قال شيخ الإسلام: فإذا أوذي أحدهم أو خولف هواه غضب وانتقم وعاقب، ولو انتهكت محارم الله أو ضيعت حقوقه لم يهمه ذلك، وهذا حال الكفار والمنافقين.
وأما الذي لا يغضب لا لله ولا لنفسه فهذا إنسان جبان ضعيف، خائر القوى، لا دين ولا دنيا، لا عنده قدرة في الانتصار للدين ولا في الانتصار للنفس، ومن الناس من تجده يغضب لنفسه ويغضب لربه لكن ما هو الأفضل؟ أن الإنسان يسامح في حق نفسه ولا يسامح في حق الدين، إذا انتهكت حرمات الدين يقوم لله، إذا اعتدي عليه هو يسامح في حق نفسه وأجره على الله {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه} [الشورى:40].
قريب منه -أيضاً- تقسيم آخر ذكره رحمه الله في موضع آخر في مسألة الانتقام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأنس عشر سنين: (أف) أبداً، ولا قال له لشيء فعله: لم فعلته؟ ولا لشيء لم تفعله: لِمَ لم تفعله؟ مع أنه خادم عنده.
أيها الإخوة هذه قضية صعبة جداً، شخص عنده خادم، تصور أن عندك خادمة في البيت عشر سنوات لا تقول لها: لماذا لم تعملي كذا؟ لماذا عملت كذا؟ انظروا! هذا أنس خدم عند رسول الله عشر سنوات ما قال له لشيء فعله: لم فعلت؟ ولشيء ما فعله: لِمَ لمْ تفعله؟ وهذه قدرة عجيبة على ضبط النفس تخلق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.