الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا الله رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً رسول الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله إن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا وهو يحذر أمته من كل شر من خطورة النار، فقد روى البخاري رحمه الله عن أبي موسى قال: احترق بيت بـ المدينة على أهله، فحدثت النبي صلى الله علي وسلم بشأنهم، فقال: (إنما هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم) ونظراً لشناعة الاحتراق كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الموت بها، لا لأنه ليس له أجر شهيد بل لشناعتها في الدنيا، فكان رسول الله صلى الله علي وسلم يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً) رواه النسائي وأبو داود وهو حديث صحيح، لكن إن حصل ومات بالحرق فإن له أجر شهيد كما تقدم، والله يفعل ما يشاء، وهو أعلم بمصائر العباد، وهو مقدر الأقدار سبحانه وتعالى.
وهؤلاء الأصناف الذين تقدم ذكرهم من شهداء الآخرة ماذا يفعل بهم من جهة الأحكام في الدنيا؟ قال العلماء: لا يغسل الشهيد -أي: قتيل المعركة مع الكفار- سواء كان مكلفاً أو غير مكلف إلا إن كان جنباً أو امرأة حائضاً، أو نفساء طهرت من حيضها أو نفاسها، وإن سقط من دابته، أو وجد ميتاً، أو سقط من شاهق في القتال، أو رفسته دابة في القتال، أو عاد إليه سهمه الذي أطلقه بالخطأ فالصحيح أنه يغسل إذا لم يكن ذلك من فعل العدو، لكن إن قتله العدو فلا يغسل ويبقى أثر الشهادة عليه، ومن قتل مظلوماً بأي سلاح كقتيل اللصوص ونحوه يلحق بشهيد المعركة في أصح الروايتين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وقال بعض العلماء بتغسيله، وكذلك الغريق والمبطون والمرأة التي ماتت في الولادة فإنهم شهداء في الآخرة يغسلون باتفاق الفقهاء.
وأما الميت المحترق فقد ذهب العلماء إلى أن من احترق بالنار يغسل كغيره من الموتى إن أمكن تغسيله؛ لأن الذي لا يغسل إنما هو شهيد المعركة، ولو قتل في المعركة محترقاً أو أحرق العدو حصناً للمسلمين ونحو ذلك كان شهيداً لا يغسل، أما المحترق خارج المعركة فهو من شهداء الآخرة لا تجري عليه أحكام شهداء الدنيا فإنه يغسل، فإن خيف تقطعه بالغسل يصب عليه الماء صباً ولا يمس، فإن خيف تقطعه بصب الماء لم يغسّل، ولكن ييمم إن أمكن كالحي الذي يؤذيه الماء، وإن تعذر غسل بعض دون بعض غسل ما أمكن غسله، وييمم الباقي كالحي سواء.
وهذا المحترق يصلى عليه صلاة الجنازة، لأنه لا وجه لترك الصلاة عليه فإنه يصلى عليه ولو صار رماداً، يجمع رماده ويصلى عليه، وقال بعض أهل العلم بعدم الصلاة عليه واشترطوا حضوره أو حضور أكثره فإنه إذا صار رماداً لا يصلى عليه، ومذهب الإمام أحمد -رحمه الله- الصلاة عليه وإن صار رماداً.
عباد الله إذاً الذي يموت محترقاً له أجر شهيد، ويغسل إن أمكن وإلا ييمم ويصلى عليه.
وكل ما تقدم من الكلام كما يظهر لكم كانت مناسبته حضور هذا الحريق الذي سمعنا عنه في منى، وقد احترق أكثر خيامها بسبب ذلك الحريق، والله يقدر ما يشاء ويفعل ما يريد، ولا شك أن المصاب الذي حصل إنما هو مصاب لكل مسلم قلبه حي، فأما المسلم الذي في قلبه دغل فلا يكاد يكترث، وأما المسلم الذي قلبه حي فإنه يحس أن المصيبة مصيبته هو، وعزاؤنا فيهم أمور منها: أنهم ماتوا محترقين، ومن مات محترقاً له أجر شهيد.
وثانيا: أنهم ماتوا محرمين في عبادة وعمل صالح، فاجتمع لهم علامة من علامات حسن الخاتمة، والله تعالى يصطفي من عباده ما يشاء، وإن كان الأمر في الظاهر شراً بالنسبة إلينا فإنها إن شاء الله نعيم لهم في قبورهم، ورحمة لهم من ربهم، وثواب جزيل يكتب في صحائف أعمالهم، وخاتمة حسنة نرجو لهم بها الشهادة عند ربهم، فالحمد لله على كل حال، والحمد لله على ما قضى وقدر، ونسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.
اللهم ارحم شهداء حريق الحج، اللهم ارحم شهداء حريق الحج، اللهم ارحم شهداء حريق الحج، اللهم أعظم لهم الأجر والثواب، اللهم ثقل موازينهم، اللهم وآتاهم أجر حجهم الذي قصدوه، اللهم إنا نسألك لهم الرحمة والمغفرة، ولأهليهم الصبر على مصابهم فيهم، اللهم إنا نسألك حسن العزاء فيهم، اللهم إنا نسألك قبول حج من حج من المسلمين، ونسألك أن تخلف بخير للقاعدين من المسلمين، اللهم إنا نسألك رفع الدرجات، وزيادة الحسنات، وتكفير السيئات.
اللهم إنا نسألك النصر للإسلام والمسلمين، اللهم عجل فرج المسلمين، اللهم عجل فرج المسلمين، اللهم عجل فرج المسلمين يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك الأمن في أوطاننا ودورنا، اللهم إنا نسألك النصر على أعدائنا، اللهم إنا نسألك قضاء ديوننا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا حقوقك التي علينا يا رب العالمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.