كان أول تأثر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما عرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة، عندما عرض عليهم نصوص القرآن والسنة، ولذلك كانت الصفوة المختارة عندما تسمع كلام الله تتأثر مباشرةً؛ فترق القلوب؛ وتدخل تلك النفوس في دين الله.
وهذه الأحاديث التي سأتلوها الآن هي في الصحيحين أو أحدهما عن ابن عباس أن ضماداً قدم مكة فقيل لـ ضماد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنون أو دخل فيه جن أو مصاب بمرض، وكان هذا الرجل طبيباً يداوي الناس من الأمراض فقال: لعل الله أن يشفيه على يدي، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عليه صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات الجامعات: (إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد، فقال ضماد: أعد كلماتك هؤلاء.
فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوت البحر -يعني: وسط البحر وعمقه من شدة تأثيرهن- ثم قال: هات يدك أبايعك، فبايعه ثم قال له عليه السلام: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي).
يذهب إليهم داعية إلى الله.
أيها الإخوة تأثر هذا الصحابي من أي شيء؟ ما هي الكلمات التي نقلته من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام؟ إنها كلمات جامعات لكنها وجدت في قلبه مكاناً فتأثر لها، فدخل في دين الله، اعتنق الإسلام بعد الكفر.
عتاة اليوم من الكفرة والمرتدين الذين يتسمون بالإسلام لو عرضت عليهم مثل هذه الكلمات يا ترى هل سيستجيبون ويتأثرون أدنى تأثر؟! وعند سماع المواعظ كانت نفوس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترق رقة عجيبة لكلمات يسمعونها من رسول الله على المنبر.
مثلاً: عن أنس رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعت مثلها قط! قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) لو تعلمون ما أعلم من عذاب الله، وتفاصيل العذاب كيف يعذب أهل النار وكيف يحرقون؟! لو تعلمون ما أعلم من أهوال المحشر ومن شدة الحساب لو تعلمون ما أعلم من عظمة الصراط وشدة المشي عليه والكلاليب التي تتخطف الناس فيهوون في جهنم لو تعلمون ما أعلم.
يقول عليه الصلاة والسلام: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) الرسول صلى الله عليه وسلم أراه الله جهنم بعينه، ما اطلع على هذا من الصحابة أحد، فقال لهم هذه الكلمات التي يعبر فيها عما رآه: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) ماذا فعل الصحابة؟ هل قالوا: ما دمنا لم نر ما رآه عليه الصلاة والسلام فلماذا نتأثر كما تأثر؟ لا، هذه الكلمة دفعتهم إلى التأثر حالاً، فقال أنس رضي الله عنه: (فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين) ذلك الأزيز: الصوت الذي يرتفع من الصدر بالبكاء، صوت يتأزز من الصدر من البكاء لهذه الكلمة التي أخبرهم بها عليه الصلاة والسلام.
يا إخواني عندما نسمع المواعظ اليوم هل نتأثر بها كما كان صحابة رسول الله يتأثرون؟! هل نغطي وجوهنا كما غطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم؟! هل تنخنق العبرات، وتذرف الدموع، وتخرج الأصوات كالأزيز الذي يغلي به المرجل من الصدور للتأثر من هذه المواعظ؟! لقد تبلدت إحساساتنا والله، إن على قلوبنا غلافاً سميكاً لا تنفذ من خلاله آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم في المواعظ، يجب أن نرقق هذه القلوب -أيها الإخوة- بشتى أنواع المرققات حتى نصل إلى الدرجة التي إذا سمعنا فيها المواعظ تأثرنا.