أيها المسلمون: إن الناس يتكلمون عن الرزق، وعن الرواتب، وعن الوظائف، وعن التجارات، وعن الأرباح، وعن الأسهم، وعن المشاريع، وعن الخاسر منها وغير الخاسر، إن الناس في قلق في القضية المادية في قضية الدخل الطرد من الوظيفة إيجاد وظيفة؛ ولكن المؤمن آمن حتى من جهة رزقه؛ فهو يعلم أن رزقه لن يفوت، وأن الأرزاق في ضمان الله الذي لا يخلف وعده، ولا يضيع عبده، وقد خلق الأرض مهاداً، وفراشاً وبساطاً، وبارك فيها، وقدر أقواتها وجعل فيها معايش، وتكفل بأرزاق العباد، وكرر وأقسم ووعد سبحانه وتعالى، {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم:6] قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الذاريات:22 - 23] فهو يحلف بنفسه سبحانه: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23].
إن المؤمن يعلم أنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، وإن المؤمن يعلم أن الله يرزق كل أحد {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت:60] وأنه مهما كان له رزق فسيأتيه ولا ينافي ذلك سعيه، فهو من الأسباب، والأسباب من التوحيد، ولكن مع الإيمان بالمسبب وخالقها، والاعتماد على خالق الأسباب، وأن الإنسان سيأتيه رزقه قل أو كثر؛ لكنه إذا قل لا يسخط من ربه، وإذا كثر لا يطغى على شريعة ربه.
إن المؤمن يعيش بالضمانات التي ذكرها الله تعالى في كتابه من أنه هو الرزاق والعالم اليوم يريدون في اتفاقياتهم ضمانات ويبحثون عن ضمانات وهم دائماً يطلبون الضمانات؛ لأنهم خائفون من نقض العهود والمواثيق والمستقبل.
فإذا كان المؤمن عنده الضمانات في هذه الآيات من ربه؛ فمم يخاف؟ وعلى أي شيء في رزقه يخشى وهو يعلم أن الله رزق الطير في أوكارها، والسباع في فلواتها، والأسماك في البحار، والديدان في الصخور؟ ولذلك كان المؤمن يذهب إلى ساحات الجهاد حاملاً رأسه على كفه متمنياً الموت في سبيل عقيدته، من خلفه ذرية ضعافاً يخشى عليهم
.
وأفراخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ومع ذلك هو يوقن أنه تركهم في رعاية رب كريم حقاً.
أيها الإخوة! إنه لموقف صعب أن يطلب من أحدنا أن يذهب إلى ساحات الجهاد وعنده أطفال صغار!! فمن الذي يفعل ذلك ويضحي ويقدم؟! إنه الإنسان الذي يوقن بأن هناك رباً رحيماً أمره بالجهاد فهو يطيع، وتكفل له برعاية أولاده ورزقهم فهو لأجل ذلك يغادرهم، وإلا ما غادر مؤمن أولاده إلى ساحات الجهاد قط، وتقول الزوجة عن زوجها وهو ذاهب في سبيل الله: إني عرفته أكالاً وما عرفته رزاقاً، ولئن ذهب الأكال لقد بقي الرزاق.