وعند اجتماع القوم وقبل تفرقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر لله، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا قاموا على أنتن جيفة) خذ أكثر جيفة نتناً وأشدها تعفناً، ثم تصور أنك إذا جلست في أي مجلس، وقمت من ذلك المجلس بغير ذكر الله وصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنك تقوم على هذا النتن الصادر من هذه الجيفة، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أيضاً: (أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس، ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله تعالى أو يصلوا على نبيه، كانت عليهم ترة من الله -حسرة- إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) عذاب من الله، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم.
أيها الإخوة! فكروا في مجالسنا اليوم التي نجلس فيها، كم من المجالس التي نجلس فيها ونقوم من غير ذكر لله ولا صلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون مجالسنا غيبة ونميمة، وتفكهاً في أعراض الناس، والجهر بالسوء من القول، والنكت والضحك، والاستهزاء بعباد الله الصالحين، والكلام في أخبار فلان وفلان من الناس، أو الكلام في عروض التجارة وأنواعها، ولكننا قلما نقوم من مجلس فنذكر الله تعالى ونصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لو لم نخرج من هذه الخطبة أيها الإخوة إلا بهذه الفائدة لكانت فائدة عظيمة، نتواصى فيما بيننا يا إخواني، أننا إذا جلسنا في أي مجلس كان، جلس الإنسان مع أهله، أو أصدقائه، أو مسئول، أو موظف، أو فصل دراسي، أو في دكانه، ألا يقوم من ذلك المجلس إلا وقد ذكر الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولو مرة على الأقل، هذه سنة لابد أن تحيا، ولابد أن يذكر بها بعضنا بعضا.
وقال عليه الصلاة والسلام مبيناً خطورة ترك الصلاة عليه: (من ذكرت عنده -في مجلس، أو حتى ولو قراءة- فخطئ الصلاة عليّ، خطئ طريق الجنة) حديث صحيح رواه الطبراني عن الحسين رضي الله عنه.
ولذلك جاء في حديث جبريل لما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن ذكرت عنده يا محمد! -صلى الله عليه وسلم- فلم يصل عليك، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين).
ولذلك قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه، شفهياً أو تحريرياً، وهذه مسألة وقع فيها تقصير عند كثير من المسلمين، فإنهم إذا جاءوا يكتبون اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم لا يصلون عليه عند الكتابة، ولا يكتبون الصلاة عليه، وبعضهم يكتب بين قوسين صاد، وبعضهم يكتب صلعم، هذه لا تغني شيئاً مطلقاً، كأنها غير موجودة، لابد كما ذكر العلماء أنك عندما تكتب اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصلي عليه عند كتابتك فتكتب: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك من الألفاظ.
بل لقد بلغ من دقة بعض العلماء، وهو عبد الرحمن بن مهدي من المحدثين أنه قال: كنا في عجلة من أمرنا ونحن نكتب الحديث، ولم يكن عندنا وقت لكتابة صلى الله عليه وسلم لأننا نكتب عن الشيخ، والشيخ يسرع في الحديث فتركنا فراغاً بيضنا له، فإذا انتهى مجلس الإملاء ذهبنا فملأنا الفراغات كلها صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: بحسب أهل الحديث خيراً أنهم كلما كتبوا حديث رسول الله صلوا عليه وسلموا.
فكان أهل الحديث -أيها الإخوة- المشتغلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تقع لهم هذه الفائدة أكثر مما تقع لغيرهم، جعلنا الله وإياكم من أهل الحديث وأتباع السنة، وصلى الله على نبينا محمد.