فإذا قال قائل: عرفنا الأمر وأدلته وفوائده، فنريد أن نعمل ببر الوالدين، فما هي صور البر؟ أو كيف نبرهما فعلاً؟ فنقول: البر قولي وبدني ومالي، فيه رفقٌ ومحبة، وتجنب غليظ القول، وعدم رفع الصوت، فضلاً عن السب والشتم واللعن المناداة بأحب الألفاظ وليس بالاسم المجرد تقبيل اليد والرأس الإنفاق عليهما تعليمهما ما يحتاجان إليه في أمور دينهما ودنياهما طاعتهما فيما أمرا في غير معصية الله إدخال السرور عليهما.
لو أغضبت والدك أو والدتك وما أكثر ما يقع، فكيف تكفر؟ تكفر بإضحاكهما لحديث: (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) هذه هي الكفارة، فتضحكهما كما أنك أبكيتهما، وتجعل السرور يدخل عليهما كما جعلت الحزن يدخل عليهما أولاً.
لا تتقدم عليه في المشي إلا لضرورة، كظلامٍ وخوفٍ ونحوه.
لما مات عمر بن ذر قال أبوه: اللهم إني قد غفرت له ما قصر فيه من واجب حقي، فاغفر له ما قصر فيه من واجب حقك، قيل له: كيف كانت عشرته معك؟ قال: ما مشى معي قط بليلٍ إلا كان أمامي، وما مشى معي في نهارٍ إلا كان ورائي، ولا ارتقى سقفاً كنت تحته.
على الابن ألا يستنكف عن عسل البول والنجاسة التي تخرج من الوالدين عند كبر السن والإصابة بمرض السلس وعدم القدرة على التحكم في البول ثم عليه أن يساعدهما في الوضوء، كل ذلك أخذاً من قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23].
لا يحد النظر إليهما، قال بعضهم: ما بر أباه من سدد النظر إليه.
ثم يدعو لهما أحياءً وأمواتاً، فالله عز وجل قال في كتابه مرشداً إلى هذا: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24] وقال نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28].
إذا احتاج للطعام تطعمه، والكسوة تكسوه، كله من قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15]، إذا احتاجا إلى الخدمة تخدمهما، إذا دعواك فأجبهما فوراً، إذا أمراك بأمرٍ فأطعمهما ما لم يكن معصية خطابك لهما بلين بدون عنف ترضى لهما ما ترضى لنفسك تنفذ عهدهما تكرم صديقهما تستغفر لهما.
بر الوالدين مراتب: أنت الآن لو حضرك طعامٌ لذيذ فأرسلت أحداً يدعو أباك لحضور الطعام فأنت بار، وأعظم منه أن تذهب أنت بنفسك لتدعو أباك، فأنت ممكن تقول للخادم أو العامل: اسكب الماء على يد أبي للتنظيف، لكن لو سكبت أنت بنفسك بدلاً من الخادم فهذا أبلغ في البر.