من العيوب التي فينا أيها الإخوة ونحن نعاتب أنفسنا عليها: قضية السكوت عن المنكر، وعدم التغيير، رغم أننا نرى أمامنا المعصية تفعل، نرى أن المنكر قائم، نرى أمامنا حدود الله تنتهك، نعلم يقيناً أن هذا حرام، نعلمه يقيناً بالأدلة وبفتاوى العلماء ثم لا نغير شيئاً، ولا يلتفت أحدنا أو يهمس ببنت شفه في سبيل تغيير هذا المنكر، وربما لا يفكر أصلاً، أو لا يختلج في نفسه شيء من قضية التغيير، حتى التردد ربما لا يحصل، ويمر أمام المنكر وكأن شيئاً لم يكن.
قال أبو عبد الرحمن العمري: إن من غفلتك وإعراضك عن الله بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه، ولا تأمر ولا تنهى خوفاً ممن لا يملك ضراً ولا نفعاً.
وقد ضرب السلف رحمهم الله المثل الأعلى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر والجرأة في الحق، فهذا الأوزاعي لما بعث به إلى عبد الله بن علي وكان من كبار السفاكين والسفاحين اشتد ذلك عليه، وقدم ودخل عليه والناس سماطان -فريقان- هناك حصل كلام واختلاف في قضية خروج عبد الله بن علي هذا وسعيه في الحكم والإمارة، فقال عبد الله بن علي للأوزاعي: ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه؟ قال: فتفكرت ثم قلت: لأصدقن واستبسلت للموت؛ لأن هذا الشخص سفاح ليس عنده شيء أسهل من سفك الدماء وأن تطير الرءوس عن أجسادها، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث الأعمال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الحديث) كأنه يقول له: إن كان خروجك لله فأنت على خير، وإن كان طلباً لملك أو طلباً لإمرة أو طلباً لدنيا فأنت ولك، وبيده قضيب ينبذ به، ثم قال: يا عبد الرحمن! ما تقول في قتل أهل هذا البيت؟ قلت: حدثني محمد بن مروان عن مطرف بن الشخير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل قتل مسلم إلا في ثلاث وساق الحديث) فقال: أخبرني عن الخلافة وصية لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك علي رضي الله عنه أحداً يتقدمه.
وهذا فيه رد على أهل البدع الذين يقولون: إن علياً عنده عهد من النبي عليه الصلاة والسلام في الخلافة من بعده، قال الأوزاعي لذلك الرجل: لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك علي أحداً يتقدمه.
قال: فما تقول في أموال بني أمية؟ قلت: إن كانت لهم حلالاً فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حراماً فهي عليك أحرم -إن كانت لهم حلالاً لا يجوز لك أن تأخذها فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حراماً أخذوها بغير وجه حق فهي عليك أحرم؛ لأنك ستأخذ المال الحرام وتضيف إليه إثماً آخر وهو الغصب- فأمر بي فأخرجت، قال الذهبي: قد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً سفاكاً للدماء صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي لصدعه بمر الحق كما ترى لا كخلق علماء السوء الذين يحسنون السوء للحكام فيقتحمون الظلم والعسف لأهل الجور، ويقلبون له الباطل حقاً قاتلهم الله، أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق.