ومن البلايا التي فينا -أيها الإخوة- والطامات: تسرعنا في الكلام في الدين، والإفتاء، والإخبار بأن هذا حلال وهذا حرام، مخالفين أمر الله عز وجل أو نهي الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] فترى الواحد منا في المجلس إذا طرحت مسألة علمية أو قضية سارع بالكلام فيها والجزم والإخبار عن الحكم مع أنه بعيد كل البعد عن المعرفة به، ولا عنده فيه لا دليل ولا قول عالم، لا عنده فتيا عالم ولا دليل، ومع ذلك يسارع إلى الجزم بالحكم والكلام به عن رأيه المجرد دون أن يكون عنده قاعدة أو يكون عنده أهلية للكلام في مثل هذه المسائل، هذه الجرأة على دين الله مذمومة، لو كانت المسألة في آلة من الآلات أو دواء من الأدوية لهان الخطب، ولكن المسألة في الدين ومع الأسف صار دين الله في المجالس عرضة لأن يدخل فيه كل الناس ويدلون بآرائهم، ولكن إذا صارت القضية في مسألة اقتصادية أو طبية سكتوا إلا أهل القراءة والخبرة أو العلم بهذا الفن، فصار دين الله عند الناس أرخص من الدنيا، صار يتكلم في دين الله كل واحد من أوساط المتعلمين والمثقفين والجهلة والعامة.
عن نافع أن رجلاً سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ رأسه ولم يجبه، حتى ظن الناس أنه لم يسمعه فقال له: [يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟ فقال: بلى.
ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهم في مسألتك، فإن كان لها جواب عندنا وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا بها] كانوا يتدافعون الفتيا كل واحد يدفعها إلى الآخر ويقولون: اسأل فلاناً حتى تعود إلى الأول، تدور الفتوى على عشرة أو أكثر ويأبون الكلام فيها للتحرج بأن الواحد منهم يعلم الإثم المترتب على أن يفتي بشيء لا علم له به: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:169] هذا من أكبر الجرائم، (ومن أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه) الإثم على من أفتاه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.