وتأمل يا عبد الله! لماذا قدم غض البصر على حفظ الفرج، فقال في الآية: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30].
ذلك لأن النظر بريد الزنا وهو الذي يوصل إليه، ولذلك أمر بغضه أولاً، والعين تزني وزناها النظر إلى ما حرم الله.
وقد قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] وخائنة الأعين: اختلاس النظر إلى المحرم من غير أن يفطن إليه أحد، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال في هذه الآية: [يعلم خائنة الأعين: هو الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها، فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز وجل على قلبه أنه يود لو نظر إلى عورتها] يعلم خائنة الأعين فيه وعيدٌ لمن يخون بعين بالنظر إلى ما لا يحل له وقد جاءت الأحاديث موافقة للكتاب العزيز ومؤكدة لما اشتمل عليه من غض البصر فعن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) رواه مسلم، وفي رواية: (نظر الفجاءة) وهو أن يقع النظر على الأجنبية بغير قصد، فإذا جاءت فجأةً أمام ناظريه فعليه أن يغض بصره ولا يديم النظر ولا ينظر المرة الأخرى، وهذا معنى حديث ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أبو داود وهو حديث حسن.
لا تتبعها، أي: لا تعقبها ولا تجعلها تأتي بعدها بعد الأولى، لك الأولى لأنها بغير قصد وليست لك الآخرة والثانية والثالثة لأنها باختيارك فتكتب عليك، قال قيس بن حازم رحمه الله: [النظرة الأولى لا يملكها صاحبها ولكن الذي يدس النظر دساً].