رابعاً: من كيد إبليس وتلبيسه أنه يحمل العبيد على اقتراف المحرمات بطريقة تسمية هذه الحرمات بغير أسمائها، إبليس لما خدع آدم وحواء في الجنة ما هي طريقته في خداعهم؟ لقد سلك عدة سبل، حلف بالله أنه ناصح وأنه يريد لهما الخير، ومن ذلك أنه سمى لهم الشجرة التي نهاهم الله عنها سماها شجرة الخلد: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] هذه الشجرة نهاه الله عنها لكي يوقع إبليس آدم في المعصية غير له اسم الشجرة، قال: هذه شجرة الخلد، فكان هذا من الدواعي إلى وقوع آدم في المعصية والأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، ويحدث بالضبط من هذا الباب أمور كثيرة، فيسمي الشيطان الأمور المحرمة بأسباب تحبها النفوس.
فيسمى الخمر أم الأفراح والمشروبات الروحية، كما يسميها اليوم شياطين الإنس، وأوقع بعض الخلق في تسمية الربا فوائد واستثمارات أو بيع أو معاملة ونحو ذلك، وفوائد كما يسمونها اليوم في كثير من البنوك التي تحارب الله ورسوله، ودفع أقواماً إلى تسمية المكوس -وهي الضرائب المحرمة قطعاً- إلى تسميتها بالحقوق السلطانية وأن من حقوق أو حق السلطان أن يأخذها، وهي حرام لا يجوز أخذها وهي ظلم للعباد، وسمى الناس الآن الغناء والرقص والطرب فناً وسموا الرشاوي أتعاباً، وهكذا.
فقلب الأسماء التي ذكرها الله بالنص عليها ربا، زنا، خمر، رشوة، هذه أمور قد تتقزز النفوس السليمة من سماعها، لكن الشيطان يوحي إلى أوليائه أن يغيروا أسماء هذه الأشياء، فالبسطاء والسذج من الناس وأصحاب الشهوات وأصحاب الأغراض الدنيئة يعجبهم تغيير الاسم فيقعون في هذا الأمر المحرم، وإذا جئت تناقشهم في الربا يقولون: هذه فوائد استثمار بيع وشراء، والموسيقى والمعازف ونحت الأصنام فنون جميلة هكذا يسمونها.
ولاشك أننا أهل الإسلام لا نرضى بذلك ولا نقره، بل يجب علينا أن نفضحه وأن نبينه وأن نرد على قائله، وأن نقول له: كذبت، الحلال ما حلله الله، والحرام ما حرمه الله، وأن السكر لا ينقلب ملحاً إذا كتبت على كيس السكر: ملح، فإن الجوهر والحقيقة تبقى هي هي، وإن زخرفوه وقلبوا لك الأمور حتى تظن أن الأمر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة.