تعامل الإمام مع أهل البدع

وكان الإمام أحمد رحمه الله حريصاً على أن يعرف أهل البدع ويكتشف أمرهم بنفسه، من باب التثبت ليحذر الناس منهم، وهذه القصة دليل على ذلك، وهذه القصة مهمة ينبغي أن تعقلوها جيداً، وأن نفكر فيها يا إخواني جميعاً: سمعت إسماعيل السراج يقول: قال لي أحمد بن حنبل يوماً، أي: قال الإمام أحمد لـ إسماعيل السراج: بلغني أن الحارث يكثر الكون عندك -يأتيك كثيراً- فلو أحضرته منزلك وأجلستني من حيث لا يراني، فأسمع كلامه فقلت: السمع والطاعة لك يا أبا عبد الله، وسرني هذا الابتداء من أبي عبد الله -انظر الآن الإمام أحمد هو الذي يبحث، وهو الذي ينقب، هو الذي يتثبت، ما يأتي واحد يقول له: عندي مبتدع فأخبرني رأيك فيه، بل هو الذي يبحث- ففعل الرجل ودعا الحارث المحاسبي وجماعة من المعجبين بـ الحارث المحاسبي، فحضر الإمام أحمد وصعد في غرفة في الدار، واجتهد في ورده إلى أن فرغ، وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا، ثم قاموا لصلاة العتمة -العشاء- ولم يصلوا بعدها وقعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت لا ينطق واحد منهم إلى قريب من نصف الليل، فابتدأ واحد منهم وسأل الحارث المحاسبي، فأخذ الحارث في الكلام وأصحابه يستمعون كأن على رءوسهم الطير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يحن، ومنهم من يزعق في كلامه -وهذا شأن بعض المتصوفة - ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا، فقاموا وتفرقوا، فصعدت إلى أبي عبد الله وهو متغير الحال، فقلت: كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، وعلى ما وصفت من أحوالهم فلا أرى لك صحبتهم، ثم خرج.

ناس يجلسون بعد العشاء ما يصلون الليل يزعمون أنهم يذكرون الله، يجلسون صامتين هكذا إلى نصف الليل، وبعد ذلك واحد يذكر ويتكلم وناس يزعقون، والزعق هذا ما كان عند الصحابة ولا عند التابعين، فالإمام أحمد قال: ما أرى لك صحبتهم مع أن ظاهرهم الخير، لذلك كثير من الناس في هذه الأيام يخدعون ببعض المبتدعة من أهل الشر، لأنهم يرونهم يبكون، ويكثرون من ذكر الهل ويزعقون، فيقول: هذا من أولياء الله، وهو في الحقيقة من المبتدعة في دين الله، فإذاً التثبت في أحوال هؤلاء أمر مهم، أمر مطلوب حتى يعرف حالهم فيجتنبوا، وحتى يكون الإنسان على بصيرة.

ومن منهج الإمام أحمد رحمه الله اعتزال أهل البدع، وهذه قضية مهمة، تمس الحاجة إليها في هذه الأيام؛ قال المروذي: لما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف حذر منه أبو عبد الله وأمر بهجرانه، أمر الناس بتركه، أي: الوقف في قضية خلق القرآن بعض الناس قالوا: القرآن مخلوق، بعض الناس قالوا: لفظي بالقرآن مخلوق، وهؤلاء أيضاً مبتدعة، وبعضهم قالوا: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق؛ هؤلاء الواقفة، فالإمام أحمد بدع الواقفة، ونهى عن الصلاة وراءهم، وأمر بهجرهم، ولا عليه فلان كبير صغير، مشهور مغمور؛ ما دام أنه وقع في البدعة وما رجع منها حذروا الناس منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015