الإمام أحمد رحمه الله كان يمكن أن يخرج حتى لا يكون له ذكر ويختفي عن أعين الناس كما يفعل كثير من المتصوفة، كما كان ابن القيم رحمه الله في بادئ الأمر، ابن القيم رحمه الله يقول: استأنست عند الذئب إذ عوى، وإذا صاح صائح طرت مع الصيحة فرحاً.
يعني: يذكر حاله يقول: أني كنت أستأنس بصياح الذئاب؛ لأنه كان رحمه الله في بادئ أمره متصوفاً من المتصوفة، وكان يخرج إلى الفلوات والبراري مثل الصوفية، ويعتزل الناس، والصوفية كانوا يستأنسون بعواء الذئب إذا ذهب واحد منهم في البرية وجلس بعيداً عن الناس وخلا، وإذا صاح الصائح بالذكر في حلق الذكر المبتدعة التي عندهم طار قلبه من الصيحة، ولكن بعد ذلك قيظ الله له شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فاهتدى على يديه، فرحمه الله به وهداه إلى الشريعة.
لماذا كان الإمام أحمد لم يخرج إلى خارج البلاد ويسكن في الصحراء ويعتزل الناس؟ هو يتمنى هذا الكلام، لماذا لم يفعله؟ لأن الناس يحتاجون إليه، لأن موقعه بين الناس موقع مهم، لأن عزلته عن الناس فيها ضرر على نفسه وعلى الناس، والإنسان المؤمن كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أحسن وأفضل من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) والاعتقاد الموجود عند البعض بأن على الإنسان أن يخرج عن المجتمع ويعتزل الناس أحسن له في الدين اعتقادٌ خاطئ؛ لأنه سيضعف، لكن الذي يعيش المحنة يقوى عوده ويصمد، إلا في حالة واحدة، إذا كان آخر الزمان، وصارت الفتنة شديدة جداً بحيث أن الرجل لا يحتمل القعود، ولو قعد لفتن في دينه، فعند ذلك لا بد من الخروج، وقد يحصل حالات من هذا في بعض البلدان، فيترتب على المسلم أن يخرج؛ لأنه لو جلس واستقر لفتن في دينه، ونكص وارتد على عقبيه، فتكون السلامة في الخروج.
قال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.
وعن المروذي قال: قلت ل أحمد: كيف أصبحت؟ قال: كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك الموت يراقب قبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟!!