الحمد لله الذي جمعنا وإياكم في هذا المكان؛ في بيت من بيوته عز وجل، نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوما، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوما، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروما، وأن يجعل خروجنا من هذا المجلس بفوائد جمة، وأشياء تذكرنا بالله عز وجل واليوم الآخر.
أيها الإخوة: موضوعنا في هذه الليلة يدور حول جوانب من حياة الإمام أحمد رحمه الله عز وجل، الذي كانت حياته بما فيها من أحداث وتفاصيل تصلح أن يجعلها المسلم قدوة يقتدي بها في كثير من جوانبها، ولعلنا نستعرض وإياكم في هذه الليلة بعض الجوانب التي يسمح الوقت بها، والتي سيلمح الأخ المستمع فيها فعلاً أشياء عظيمة من حياة هذا الإمام.
وهذا الإمام أيها الإخوة صحيح أن شهرته قد طبقت الآفاق، وأن الكثيرين من الناس يعرفون شخصيته، ولكن كثيراً من الناس لا يعرفون تفاصيل حياته، ولا يعرفون أحداثاً كثيرة جداً من حياة الإمام أحمد لو عرفها الإنسان فعلاً لدهش، يعني: بعض الناس الشهرة العامة موجودة لكن التفاصيل غير موجودة، لعل الإمام أحمد واحد من هؤلاء الناس.
وقد اعتنى علماء الإسلام بحياة الإمام أحمد عناية كبيرة، وألفت في حياته مجلدات، فمنها ما كتبه ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، ومنها ما كتبه الذهبي رحمه الله في كتابه السير، وفي كتابه تأريخ الإسلام، ومنها ما كتبه ابن الجوزي في مجلد مستقل عن حياة الإمام أحمد رحمه الله، وغيرهم من أهل العلم، دلالة على عظمة مكانة هذا الرجل في قلوب العلماء فضلاً عن قلوب عامة الناس.
وقال الذهبي رحمه الله في السير: هو الإمام حقاً وشيخ الإسلام صدقاً أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن إدريس الشيباني، يرجع نسبه إلى بكر بن وائل قبيلة معروفة من العرب، وقد مات أبوه في سن الشباب، وربي الإمام أحمد يتيماً، وقد ولد الإمام رحمه الله تعالى في ربيع الأول سنة (164هـ) وقد ضبطت سنة وفاة الإمام أحمد وسنة ولادته ولم يختلف فيهما أحد.
والإمام أحمد رحمه الله من رجال السنة، وينبغي أن ننبه قبل أن نبدأ إلى كلمة الإمام.
كلمة الإمام كلمة عظيمة وكبيرة، ولذلك لا يصلح أن تطلق على أي واحد من الناس، ولو ارتفع كعبه في العلم أو الدعوة إلا إذا وصل إلى مرحلة عظيمة أصبح فيها فعلاً يأتم به العالم من المسلمين، يأتمون به عن صدق وحق؛ لأنه يصلح أن يكون أهلاً للإمامة، ولذلك ما أطلق هذا اللقب على كثيرين من السلف إلا على أنفار معدودين مثل الإمام أحمد رحمه الله، فهذا اللقب لا يُعطى جزافاً، ولا يصلح أن يطلق جزافاً على أي شخصية من الشخصيات النابغة المشهورة.
وقد رحل الإمام أحمد رحمه الله إلى البصرة والكوفة وحج خمس مرات، وكان شيخاً مخضوباً طوالاً أسمر، حسن الوجه معتماً، عامة جلوسه متربعاً خاشعاً.