ونظراً لكثرة آفات اللسان عند النساء؛ فإن على الزوج المسلم أن يراعي ذلك في زوجته، فإن الله تعالى قد ذكرهن داخلات في القوم وذكرهن منفصلات عنهم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:11] فهؤلاء النساء داخلات في القوم، لكن مع ذلك كرر التنبيه سبحانه وتعالى، وخصصهن بالنهي أيضاً، ولذلك ترى -يا عبد الله- الغيبة والنميمة في أوساط النساء كثيرة، فماذا فعلت أنت في موعظة ومقاومة هذه الأخلاق الرديئة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضى من زوجاته شيئاً ولو كان قليلاً يسيراً فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، التي نقلت بأمانة حتى ما كان عليها، وما كان من أخطائها نقلته لتتعلم الأمة، عن عائشة قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا) دافع الغيرة عند النساء قوي، ربما انزلقت في شيء من الغيبة، قالت: يكفيك من زوجتك هذه صفية أنها قصيرة، كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) لمزجته وطغت عليه من شدتها وعظمها قالت رضي الله عنها: (وحكيت له إنساناً -مثلت له حركة أو قولاً- فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا) فلا يجوز أن تمثل فعلاً لشخص، أو تحكي قولاً له على سبيل الاستهزاء والتنقص، مهما أوتيت لا تفعل ذلك، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم ينكر ذلك على زوجته ويوقفها لما قالت تلك الكلمة.
وروى النسائي -رحمه الله تعالى- بإسناد صحيح في كتاب عشرة النساء، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: ابنة يهودي - صفية بنت حيي بن أخطب بنت زعيم اليهود قتل زوجها، قتله المسلمون في المعارك التي دارت والحصارات بين المسلمين واليهود، فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية تأليفاً لها ولقومها، ورعاية لها لما صارت عنده مسلمة من أمهات المؤمنين، فهي أمنا وإن كانت من أصل اليهود؛ لأنها أسلمت والمسلمون إخوة والمؤمنون إخوة، لا يضر ما يكون من أصلهم، قالت حفصة عن صفية: بنت يهودي.
فبكت صفية لما سمعت ذلك تأثراً، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة: ابنة يهودي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لابنة نبي، وإن عمك نبي، وإنك لتحت نبي) إنك من سلالة موسى وهارون، فجدك موسى نبي، وأخوه هارون عمك نبي، وإنك لتحت نبي، فهذا شرف فبم تسخر عليك؟ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله يا حفصة -ذهب إلى حفصة توجه إليها بالكلام مذكراً بالله- كيف تقولين هذا؟!) هكذا يكون الموقف ممن زل لسانها في حق أختها، ولو كان الدافع قوياً، ولو كانت الغيرة عند النساء، لكن المنكر يبقى منكراً وينبغي إنكاره رضي الله عن أمهاتنا، فهن أمهاتنا كلهن رضي الله عنهن.