الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام، هو دين الله القويم، ومنَّ علينا بإرسال أفضل الأنبياء والمرسلين، بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، وداعياً إلى الله بإذنه، فتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وانقضت معظم أوقات المسلمين في البحث عن اللذات، والعمل للدنيا، وانشغل جمهور المسلمين عن الآخرة بأنواع من الملاهي، والشُغل بالنفس، فصار العمل لدين الله قليلاً أو نادراً، فلا شك أن هذه علامة ضعف وخطر، وهي من أسباب تقهقرنا وتخلفنا نحن المسلمين، إننا لا نرى جمهور المسلمين يعملون للإسلام، ولا يحملون هم الإسلام.
ثم إننا إذا نظرنا إلى واقع الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أو المحسوبين على قطاع الدعوة إلى الله، والمتمسكين بالإسلام أو الذين ينتسبون إلى التمسك بالدين؛ لوجدنا أن هناك خللاً كبيراً أيضاً وتفريطاً عظيماً، وكما أن هناك غثاء في الأمة فهناك غثاء أيضاً في هذا القطاع الذين ظاهرهم التمسك بالدين.
وذلك أن كثيراً من الشباب قد اتجهوا في الآونة الأخيرة لأنواع من الملاهي والانشغال عن العمل للدين، وصار همهم هو أنفسهم، وعملهم للدنيا، ودراستهم للدنيا، وسعيهم للوظائف، وبناء البيوت وتحصيل الأموال وغير ذلك، والانشغال بالأثاث والمتاع والرياش، وحتى الأماكن التي يذهب كثير منهم إليها، ويسافرون إليها ليست لتحصيل مصلحة في الدعوة لدين الله ولا لتحصيل علم شرعي، ولا لتربية النفس على الطاعة وإنما هي أشياء من ضياع الوقت واللذات، حتى أن كثيراً منهم يذهبون في رحلات للصيد ويصيدون من الدواب أحقرها وأسوأها.
فصارت الهمة متدنية حتى فيما يصيدون، لم تعد كثير من تلك الجموع همها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الدعوة إلى الله أو طلب العلم، وتراخى كثير من الذين كانوا من القدوات والعاملين للإسلام في يوم من الأيام حتى صاروا في آخر الركب في مؤخرة الناس، وتحول كثير من الطيبين إلى طاقات معطلة، لا تستفيد منها الأمة ولا تعمل لرفع شأن الدين، وأصيب عدد آخر منهم بالإحباط، وهم يقولون: ما هو السبيل وماذا عسانا أن نفعل؟ وعدد منهم قد أشغلتهم الأحداث عن التمعن في الدين والتفكر فيه وانساقوا وراء أغراض لأعداء الإسلام، انشغال عن حقيقة الدين واتباع للتوافه أو لأشياء يحسبونها عظيمة، وهي عند الله هينة لا خطر لها.
وانطلت خدع أعداء الدين على عدد من هؤلاء؛ فصاروا يهتمون لا أقول بالقشور أو تحسبون أني أتكلم عن السنن؟ لا.
معاذ الله، فإن من صلب ديننا التمسك بالسنة والعمل من أجلها، لكن المسألة -أيها الإخوة- صارت عند كثير من المسلمين وعند كثير من هؤلاء الذين كانوا يعملون للإسلام ويضحون من أجله، صار الانشغال بالتوافه واللعب واللهو، أو الدخول في أشياء من النقاشات والجدل العقيم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وصارت حتى المجتمعات والأندية التي يجلسون فيها خالية من ذكر الله، ومن العلم الشرعي وطرح الأفكار الجادة والأطروحات التي من شأنها رفع شأن الدين، وصارت القضية خلافات وجدل وأخذ ورد، وتفسخات في الجسد الإسلامي الذي ينبغي أن يكون جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
إن الذي يبحث وراء انشغال الكثيرين بالأمور التافهة أو بالأمور الدنيوية والمتاع الزائل، يجد أنهم لا يشعرون بالواجبات الشرعية التي أوجب الله عليهم القيام بها، الواجبات الدينية غير سائرة في الدماء، وليست خاطرة على البال في الوقت الحاضر، بل كانت تخطر في وقت عند البعض ثم أزيحت الآن، وليس هناك قلق يزعج نفوس هؤلاء وعقولهم إلى التفكير في وسائل جادة لخدمة الدين، ولا شك أن الواجبات الدينية والوظائف الشرعية كثيرة، لكنها غائبة عن أذهان الكثيرين، فمثلاً: من الوظائف الشرعية الإمامة والخطابة، والأذان، والقضاء، والفتيا، والجهاد، وكشف سُبل العدو، والحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله عز وجل، والقيام على سد حاجات الفقراء، وإغاثة المنكوبين من المسلمين، فالواجبات الشرعية كثيرة جداً في هذا الزمن؛ لأن الثغرات المفتوحة في المجتمعات الإسلامية عموماً متعددة وواسعة، وتحتاج إلى همم كثيرة وجهود متظافرة للقيام بسد الخلل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودفع عجلة العمل الإسلامي إلى الأمام، والنهوض بشأن هذا الدين ليعود إلى ممارسة دوره في الواقع.