الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أنزل علينا الكتاب والحكمة وأرسل إلينا رسولاً منا، الحمد لله الذي شرع الشرائع، الحمد لله على كل حال، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام الدعاة إلى الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، صلى الله وسلم عليه بما علمنا وهدانا، وصلى الله على أصحابه الغر الميامين الذين قاموا بأمر الدعوة إلى الله وكانوا حريصين على هداية الخلق أجمعين.
أيها المسلمون: قولوا لنا كيف انتشر الإسلام في تلك الجزر النائية؟ في الصين وأندونيسيا؟ كيف انتشر الإسلام في عدد من أقطار الأرض؟ إنما انتشر بالدعوة إلى الله تعالى، وكانت المدن الهندية الواقعة على ساحل بحر العرب مما استهدفه التجار المسلمون بالدعوة إلى الله، ولذلك لا زالت آثارهم موجودة في بونبي وغيرها من هذه البلدان الساحلية التي قصدها المسلمون بالتجارة، وشهد بجهدهم في الدعوة أعداء الله، فهذا آرلند يقول في كتابه: ولكن الكثير من أعمال الدعوة في الأسواق إنما يقوم بها أشخاص يشتغلون في مهنة أو عمل في أثناء ساعات النهار، ويخصصون أوقات فراغهم في المساء لهذا العمل الديني، فكان الواحد منهم إذا انتهى من عمله لا يذهب إلى الفرجة والفسحة، لا يذهب إلى مجالس ضياع الأوقات والألعاب وإنما كان يذهب بعد انتهاء العمل والدوام، يطوف للدعوة إلى الله عز وجل.
وقال في موضع آخر: وأغلب الظن أن الإسلام قد عبر من مليبار إلى جزر لكديك وملديك في خليج البنغال، التي كافة أهلها مسلمون، ويدين سكان هذه الجزر بدخولهم في الإسلام إلى تجار العرب الذين استوطنوا هذه البلاد، وتصاهروا إلى الأهالي ومهدوا ذلك بذلك السبيل؛ لنشر تعاليم الدعوة في نشاط وقوة، وقالوا أيضاً: إن أولئك الدعاة إلى الله دخلوا فاتحين أجزاء الصين وأفريقيا الوسطى وروسيا، وتم اعتناق هذه الملايين للإسلام طوعاً لا كرهاً، ولم يسمع أن الضرورة قضت بإرسال جيوش مع هؤلاء المبشرين لمساعدتهم.
وهكذا قام المسلمون بالدعوة إلى الله، إلا رجلاً ممن سرق حُراً فبيع عبداً في بلد من بلاد المسلمين واسمه دارثي يقول: لما سئل وقد سرق في طفولته فبيع رقيقاً قيل له: ألا تزال تضمر السخط نحو هؤلاء الذين سرقوك وأسلموا حياتك للعبودية في أقاصي الأرض؟ فأجاب: إن شيئاً واحداً قد عوضني وهو أني لم أعد غارقاً في الجهل بين عباد الأوثان.
إذاً الذي عوضه عما حصل له من الجريمة في حقه من هؤلاء المعتدين الذين اعتدوا عليه أنه صار موحداً ولو كان عبدا، ً يختار ذلك على أن يكون حراً في بلاد عبدة الأوثان.
وكان المسلمون إذا جاءوا بلاداً بنوا المساجد فيها، وكانت صروح العبادة دعوة إلى الله بحد ذاتها، حتى قال بعض الكفرة: ما دخلت مسجداً قط دون أن تهزني عاطفة حادة، ودون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلماً، وهذا مما يراه ويشاهده في مكان العبادة هذه.
وقال بعض الكفار: كلما جاء ستة أو نحو ذلك من الرجال المسلمين إلى بلد سارعوا إلى بناء مسجد، لأجل أن يكون منارة للدعوة إلى الله عز وجل، كانت الحماسة والإخلاص في الدماء تسري، حتى إن رجلاً من الذين كانوا يشتغلون في دعوة النصارى إلى الإسلام، لما حضرته الوفاة في آخر لحظة من حياته وهو يحتضر سمعه بعض الناس يقول وهو على فراش الموت: اترك دينك وصر مسلماً، اترك دينك وصر مسلماً، فلما سئل من حوله عن ذلك قالوا: إنه يتحدث إلى النصراني، هذا الذي كان يشغل قلبه في حياته برز على لسانه حين وفاته.
الدعوة إلى الله، الهم الذي في قلبه الدعوة إلى الله، الحرص على هداية الناس.
أيها المسلمون كم قصرنا؟ كم يوجد عندنا من العمالة الأجنبية من الكفار؟ كم عدد الموظفين والسائقين والخدم وأصحاب المهن والحرف والفنيين وغيرهم وماذا فعلنا لهم؟