النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لقريش والعالم أجمع

عباد الله: لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في حرصه على هداية قريش والعرب؛ بل والناس أجمعين، وكان يدعو فوق الجبل، وفي المسجد والطريق وأسواق العرب، ومنازل الناس، وفي مواسم الحج، يقوم بالدعوة إلى الله في الحضر والسفر، وفي الأمن والقتال، والصحة والمرض، وعندما يزور أو يزار، وكان يوجه دعوته إلى من أحبوه وإلى من أبغضوه، ولذلك كان يذهب إلى منازل الناس للدعوة في منى، إذا نزلت القبائل فيها في موسم الحج، ولذلك يقول ربيعة بن عباد الدؤلي: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: يا أيها الناس! إن الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، ووراءه رجل وضيء أحول يقول: يا أيها الناس! إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم).

النبي عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله ووراءه رجل من الكفار يثبطه ويثبط الناس عن قبوله، النبي عليه الصلاة والسلام يكلمهم وهذا الرجل يصدهم، فسألت عن هذا الرجل؟ فقيل لي: أبو لهب، عمه، يمشي وراءه يثبط الناس عن الدعوة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يفتر عنها، ويقول للناس في أسواق الموسم، في مجنة وعكاظ، من يؤويني ومن ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي؟ حتى أكرمه الله بذلكم النفر الكرام من الأنصار الذي بايعوه في العقبة وكان ذلك فتحاً وانطلاقةً عظيمة في الدعوة إلى الله عز وجل.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب ليدعو حتى عبد الله بن أبي المنافق الكافر الذي صد عن الدين، ويركب حماراً وينطلق المسلمون يمشون معه في أرض سبخة مالحة، لا تنبت الأرض من ملحها، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال المنافق: إليك عني! والله لقد آذني نتن حمارك، ومع ذلك يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، ولما سمع أن رجلاً من اليهود -شاباً- مرض، حرص على زيارته والاهتمام بدعوته، وكان قد دعاه إلى الإسلام فعاده، كما روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: (كان غلاماً يهودياً فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأنقذه الله به من النار).

وحضر أبا طالب حين نزل به الموت يدعوه إلى الله يقول: (يا عمِ! قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله) ولكن غلبت على أبي طالب الشقوة وأطاع أصحاب السوء ورفقاء السوء الذين قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالوا به حتى مات على الشرك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له إلى آخر لحظة: قل لا إله إلا الله، قل لا إله إلا الله، كان حريصاً على أن تختتم حياة أبي طالب بالتوحيد، الحرص هو الذي جعله يذهب هذا المذهب ويجهد هذا الجهد رضي الله تعالى عن أصحابه الذي حملوا لواء الدعوة من بعده.

النبي صلى الله عليه وسلم دعا، ولقي الأذى.

النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الطائف للدعوة، يذهب إلى جبالها وأهلها يدعوهم إلى الله، يرجع وقد أصابه من الغم ما أصابه؛ لأنهم صدوه ورفضوه، حتى بلغ به الهم أنه يمشي لا يدري أين مقصده، ولم يستفق صلى الله عليه وسلم إلا وهو بـ قرن الثعالب؛ وهو موضع قريب من مكة، وهو قرن المنازل ميقات أهل نجد، وقف عنده صلى الله عليه وسلم، وكان في غاية الغم، لا يدري إلى أين يمشي، فلماذا كان مغموماً؟ لأنهم صدوه ولم يقبلوا دعوته، ولذلك فإن من صدق الداعية أن يحزن إذا رفض الناس دعوته، لكنه لا يهلك نفسه عليهم: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] أي: لعلك مهلك نفسك من أجل أنهم لم يؤمنوا، ما دام أن الله كتب عليهم الشقوة فإنك لا تهدي من أضل الله، لكن بذل الأسباب والقيام بالأمر وإبلاغ الدين والذهاب إلى الناس في أماكنهم وبلدانهم يدعوهم إلى الله.

ولما كانت هناك بلاد بعيدة يشق عليه صلى الله عليه وسلم أن يذهب إليها، ولا يمكنه ترك الناس لأجل ذلك أرسل الرسائل، لم يقل: بلاد بعيدة لا أستطيع الذهاب والسفر إليها وإنما أرسل الرسائل، لكسرى وقيصر، يرسل إلى النجاشي، يرسل إلى المقوقس ملك الإسكندرية، يرسل إليهم يدعوهم إلى الله: (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام -أي: بدعوة الإسلام- أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين) إثم العمال والزراع والناس في بلدك؛ لأنك قد صددتهم: (وختم له بالآية: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]).

أرسل عليه الصلاة والسلام الرسائل مع أصحابه، عبد الله بن حذافة ينطلق إلى كسرى، وسليط بن عمرو ينطلق إلى هوذ بن علي في اليمامة، والعلاء بن الحضرمي ينطلق إلى المنذر بن ساوى بـ هجر، وعمرو بن العاص إلى جيح، وأبو عباد بن الجلندي بـ عمان، ودحية إلى قيصر، وشجاع بن وهب إلى شمر الغساني، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، وهكذا يرسل صلى الله عليه وسلم الرسائل من أجل الدعوة إلى الله، والحرص على هداية الناس، والسعي في غرض الإسلام؛ علّ الله تعالى أن يخرج أولئك الناس من الظلمات إلى النور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015